الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 8″ 

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 8″ 

بقلم / محمـــد الدكـــروى

الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 8″

ونكمل الجزء الثامن مع الرسول في غزوة عمرة القضاء، وخرج على الرغم من ضعف المشركين و قوة المسلمين، ثم عاد قافلا إلى المدينة المنورة، وإن للعمرة فوائد عديدة تعود على من أدّاها، وهى أن العمرة تمحو الذنوب والسيئات وتكفرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وأن العمرة سبب في نفي الفقر وجلب الرزق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تابعوا بين الحج والعمرة، فإنَهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دونَ الجنة” وأن في تأديتها شكر لنعمة المال والصحة البدن، وأن العمرة إظهار للتذلل لله عز وجل، إذ إن المعتمر يترك أنواع اللباس ويلبس لباس الإحرام.

مظهرا الفقر لربه سبحانه وتعالى، وأن العمرة تقوي الإيمان ومشاعر الأخوة والتراحم لدى المسلم، إذ إنها تجمع المسلمين من كل أنحاء العالم في مكان واحد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، لا فرق بين غني وفقير، ولا عربي وأعجمي، وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياته المباركة أربع عُمر، وهي عمرة الحديبية، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة، والثلاث كن في ذي القعدة، والرابعة عمرته مع حجة الوداع، وكان من أهداف غزوة عمرة القضاء هو تصديق رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دخول المسلمين مكة أول مرة، إذ ظن المسلمون أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي يوم الحديبية، ولكنهم لما عادوا ولم يدخلوا مكة اتفقوا على أن يعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى مكة عامهم المقبل فيعتمروا.

فأنزل الله سبحانه، الآية التي أخبرتهم أن الذي فَعلوه أي الصلح هو فتح، أو مقدمة لفتح قريب، إذ قال الله تعالى “لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا” ولقد كان مشهدا كئيبا اكتست فيه وجوه أبطاله بالحزن والأسى، فالقلوب منفطرة غيظا وكمدا، والنفوس مشحونة ألما وغما، والضيق هو سيد الموقف، حتى همّ بعضهم بالشك والريب من ضراوة المفاجأة على عقولهم، ووصل بهم الحال للتباطؤ في تنفيذ الأوامر العليا رغم عصمة وقدسية مصدرها، فكان هذا هو ملخص حال الصحابة يوم الحديبية في شهر ذي القعدة من العام السادس من الهجرة، فبعد أن تهيأوا لدخول بلد الله الحرام، فأحرموا وساقوا الهدى واستعدوا لمناسك العمرة من سعي وطول

وتهيأت قلوبهم ونفوسهم وعيونهم لتكتحل برؤية الكعبة والمشاهد، إذا بالمشركين يصدوهم عن أسمى أمانيهم وأغلى أهدافهم، وجرت الأحداث متلاحقة لتؤكد عزمهم على الدخول ولو بالقوة بعد بيعة الرضوان، ولكن سرعان ما تبخرت أحلامهم بعد عقد اتفاقية صلح الحديبية، فقد ظن كثير من المسلمين لأول وهلة، أن شروط صلح الحديبية فيها كثير من الغبن والضيم على المسلمين، حتى راجع عمر أبا بكر في ذلك، فقال له أبو بكر، الزم غرزه، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أشهد أنه رسول الله، وراجع عمر رسول الله، وقال له، علام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال له” أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني” وكان من ضمن شروط صلح الحديبية التي أحزنت المسلمين غير رد من جاء من مكة من المسلمين المستضعفين.

منع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة من الاعتمار في هذا العام، على أن يعودوا العام المقبل، فإذا كان العام القادم، خرجت قريش من مكة ثلاثة أيام، ثم يدخلها المسلمون، فيقيمون بها ثلاثة أيام ليس معهم إلا سلاح الراكب وهو السيوف في القرب، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأحد من المهاجرين أن يصبر على فراق أهله ومسقط رأسه، وبلده التي ترعرع فيها، واشتم نسيمها، خالط دمه ريحها، وتخلدت ذكريات الحياة بطولها فيها، فإنها ذكريات عميقة تبعث من النفس الشجون والأحزان، لذلك لم يكد العام يستدير حتى استعد الرسول صلى الله عليه وسلم، من معه للخروج إلى الاعتمار حسب بنود صلح الحديبية، وفي ذي القعدة في السنة السابعة من الهجرة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى مكة قاصدا العمرة.