الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع الرسول في غزوة عمرة القضاء، وأصواتهم تعج بالتلبية لله العلي الكبير، هذه التلبية الجماعية التي تعج أصوات المسلمين بها، والتي لم تنقطع منذ أن أحرموا واستمرت حتى دخلوا مكة، فقد كان للتلبية مغزى ومعنى، فهي تعلن التوحيد وترفع شعاره، وتعني إبطال الشرك وإسقاط رايته، وتعلن الحمد والثناء على الله الذي مكنهم من أداء هذا النسك، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط في عمرة القضاء لما هو أبعد من تأدية مناسك وشعائر يمكن أداؤها في سويعات قليلة، لقد كان صلى الله عليه وسلم يخطط للدعوة ونشر الإسلام وإظهار القوة وإرسال العديد من الرسائل لخصومه داخل مكة وخارجها، فقوة الدين من قوة أتباعه واعتزازهم بهذا الدين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا تمام الحرص على إظهار قوة المسلمين.
أمام أهل مكة قدر المستطاع، ليس بقوة مادية أو جسدية فقط، بل أيضا معنوية وغير مباشرة، وكان من مظاهرها عو ضخامة عدد المسلمين حيث جاوز عددهم الألفين واصطحبوا معهم الأطفال والنساء، بعد أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا يتخلف أحد عن الرحلة، واستصحاب العتاد الحربي كاملا استعدادا لأي مواجهة، وردعا لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير في الغدر بالمسلمين، وعسكرة جزء من المسلمين بسلاح الفرسان خارج الحرم استعدادا للميل على المشركين حال غدرهم، والدخول الرئاسي المبهر القوي لموكب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، راكبا ناقته القصواء، والمسلمون حوله يشهِرون سيوفهم لحمايته يحيطون به من كل جانب، حماية له من المشركين، أو من غدر قريش، واستخدام أدوات التخويف النفسي.
والحرب الدعائية على المشركين، فقد تقدم صفوف المسلمين عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وهو ينشد الشعر، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نستغرب أن يقول الشعر في مثل هذا الموقف، لأن الشعر عند العرب هو وسيلة الإعلام الأولى، فإذا قيل الشعر وقف الجميع ليستمع، وعبد الله بن رواحة كان يعرف هذا الموقف، واختار من الشعر ما يناسب إظهار القوة، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحابة رضوان الله عليهم، بإظهار القوة البدنية والاستعداد الجسدي لأي مواجهة، بعد أن نمت إليه الأخبار بأن مشركي قريش يتناقلون شائعة مفاداها أن المسلمين قد أوهنتهم حمى يثرب ونالت من قوتهم المعروفة عن أهل قريش، لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابة بأمرين أثناء تأدية مناسك العمرة.
أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى، أي يسرعوا في الجري في أول ثلاثة أشواط من العمرة، وقد أصبح هذا الأمر سنة دائمة، وكان ذلك لإظهار قوة المسلمين، وأن يظهروا أكتافهم اليمنى من خلال ملابس الإحرام، فيكشفوا عن سواعدهم الشديدة، حتى ترى قريش قوتهم العضلية، وقد حفزهم الرسول صلى الله عليه وسلم، على ذلك بقوله “رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ” فلما رأى المشركون قوة المسلمين وعضلات المسلمين وسرعتهم، قالوا هؤلاء الذين زعمتم أن الحُمَّى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا، وقد ترك ذلك أثرا كبيرا في المشركين، وقد رفع شعار الإسلام والتوحيد في قلب دار المشركين، فقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بلال بن رباح أن يؤذن من فوق الكعبة، وكانت هزة نفسية عميقة للمشركين.
وهم يرون بلال الحبشي الذي كان يباع ويشترى، بل يعذب في شوارع وصحراء مكة، وكانوا يربطون الحبل به، ويسيرون به في شوارع مكة يسخرون منه، ويعذب بالصخرة العظيمة على ظهره، هذا الرجل الذي لاقى الأمرَّين من أهل مكة وزعماء مكة، هو الآن يصعد فوق الكعبة، فوق أعظم مكان في الأرض، بعد أن أعزه الله تعالى بالإسلام، يرفع أذان المسلمين، فهذا الأمر قد هز قريشا بشدة من الأعماق، وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة في مكة ثلاثة أيام، يظهرون شعائر الإسلام، يقيمون الصلاة جماعة خمس مرات في مشهد مهيب، حيث اصطفاف قرابة الألفين من الرجال والنساء في صلاة الجماعة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مكث المسلمون ثلاثة أيام يتصرفون تصرف المقيم صاحب الدار، مما زاد في ثقتهم ويقينهم، بأن لهم تارة وعودة لهذا البلد الحرام.