الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع الرسول في غزوة بنى المصطلق، ومن خلال أحداث هذه الغزوة، يمكن استخلاص العديد من الدلالات والدروس المهمة، وهي كثيرة، ومنها فضل السيدة جويرية بنت الحارث والتى كانت من بين الأسرى الذين أسرهم المسلمون وهى بنت الحارث بن ضرار سيِد قومه، وكانت بركة على قومها، فلقد أعتق تزويجه صلى الله عليه وسلم، إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، وكانت السيدة جويرية رضي الله عنها مع عبادتها وصلاحها، تروي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد حدَّث عنها عبد الله بن عباس، وكريب ومجاهد ويحيى بن مالك الأزدي، وبلغت أحاديثها سبعة، وقد أضافت بها إلى شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمومتها للمسلمين، وتبليغها للأمة ما تيسر لها.
من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، فبعد انتهاء الغزوة كما يقول جابر بن عبد الله “ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري، يا للأنصار، وقال المهاجري، يا للمهاجرين، فاستثمر المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول هذا الموقف، وحرضوا الأنصار على المهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم “ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا يا رسول الله، ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دعوها فإنها منتنة ” رواه البخارى، فمع أن اسم المهاجرين والأنصار من الأسماء الشريفة التي تدل على شرف أصحابها، وقد سماهم الله بها على سبيل المدح لهم، فقال تعالى فى سورة التوبة “والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه”
إلا أن هذه الأسماء لما استعملت الاستعمال الخاطئ لتفريق المسلمين وإحياء للعصبية الجاهلية، أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكارا شديدا، وقال قولته الشديدة ” دعوها فإنها منتنة ” وذلك حفاظا على وحدة الصف للمسلمين، فالإسلام ينبذ العصبية بجميع ألوانها، سواء كانت عصبية تقوم على القبلية، أو الجنس، أو اللون أو غير ذلل، وكذلك أظهرت هذه الغزوة عزة الإيمان وذل النفاق وقد ظهر ذلك في موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، لما سمع بما قاله أبوه ” لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل” فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم “بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمُرني به، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي على الأرض فأقتله.
فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار” فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له ” بر أباك، وأحسن صحبته “رواه ابن حبان، فلما وصل المسلمون مشارف المدينة، تصدى عبد الله لأبيه، وقال له قف، والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فأذن له صلى الله عليه وسلم، فظهر بذلك من العزيز ومَن الذليل، ولقد ضرب عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنه، بهذا الموقف مثالا عمليا للإيمان في أوثق عُراه، وهو الولاء والبراء، وأيضا ظهرت حكمة وصبر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قابل صلى الله عليه وسلم ما فعله عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، بمثال رفيع في الحكمة والصبر، والعفو وحسن الصحبة، فلو أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أذن لعبد الله بن عبد الله بن أبي بقتل أبيه لقتله،
لكنه صلى الله عليه وسلم قال له ” بر أباك وأحسن صحبته” فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينتقم أو يغضب لنفسه، بل يغضب لله عز وجل، ثم إن هذا الموقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه محافظة على وحدة الصف الداخلية، وعلى السمعة الطيبة، ففرق كبير بين أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وبين أن يتحدث الناس عن حب أصحاب محمد لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت هذه غزوة بني المصطلق رغم صغرها من الناحية العسكرية، إلا أن فيها من الدروس والمعاني الكثير، التي ينبغي أن يقف المسلمون معها للاستفادة منها في واقعهم، ولقد قال عبد الله بن أبي أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.