الدكروري يكتب عن السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا واشتروه، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود، وكان لا يصل إليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سرا، وقد أثر الحصار والجوع على صحة السيدة فاطمة، ولكنه زادها إيمانا ونضجا وما كادت فاطمة الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها السيدة خديجة فامتلأت نفسها حزنا وألما، ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمة نحو أبيها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يمرّ بظروف قاسية خاصة بعد وفاة زوجته وعمّه أبي طالب، فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث بصبر، ووقفت إلى جانب أبيها.
النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لتقدم له العوض عن أمها وزوجته ولذلك كانت تكنى بأم أبيها، وأما عن جهاز السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها فتقول السيدة أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم وليت جهازها، فكان فيما جهزتها به مرفقة من أدم أي من جلد حشوها ليف، وبطحاء مفروشة في بيتها، فهذا هو الفراش الوثير الذي كان في بيت فاطمة رضي الله عنها، وقد وردت روايات كثيرة في هذا المعنى، وقد جاءوا بهذا التراب والحصى ليفرش في هذا البيت كأنما هو توطئة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث مع فاطمة بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين، فكم هي هذه الثروة عظيمة؟ وكم هي موجودة في هذا البيت الذي كأنما هو قصر عامر؟ وهو كذلك عامر بالإيمان والتقوى، وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف.
بل قد ورد في صداقها أنه كان لهم جلد لخروف، إذا ناموا جعلوه على جهة الصوف، وإذا احتاجوه لفوه من جهة الجلد، وهذا يدلنا على البساطة، وأما عن مسكن السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها، فعن أبي جعفر قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل منزلا، فطلب علي منزلا حتى يسكن فاطمة فيه، فأصابه مستأخرا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب بعد فاطمة عنه أبدا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة فقال “إني أريد أن أحولك إلي تكونين قريبة مني فقالت كلم حارثة بن النعمان أن يتحول، وكان بيته قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادت أن يتحول لتأتي مكانه، فقال صلى الله عليه وسلم “قد كلمت حارثة وقد تحول عنا حتى استحييت منه” يعني أكثر من واحد يريد الجوار وهذا ينتقل.
فسمع حارثة رضي الله عنه فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك، وهذه منازلي وهي ألصق بيوت بني النجار بك، أي أقربها وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا رسول الله للمال الذي تأخذ أحب إلي من الذي تدع، هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فتحولت إلى جوار أبيها صلى الله عليه وسلم، فقيل أن الإمام على بن أبي طالب رضى الله عنه، أقبل على السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها ودخل وهو منهك متعب مجهد من طبيعة الحياة وشدتها وكسب العيش وكده، فقال والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، والسانية البعير الذي يستقى به الماء، كان علي يسقي الماء عن طريق الناقة وأحيانا بنفسه، قال قد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه، انتصر المسلمون في معركة، وكان عند الرسول صلى الله عليه وسلم سبي.
فقال اطلبي منه خادما، فأنت ابنته أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه فذهبت السيدة فاطمة إلى أبيها صلى الله عليه وسلم فقال “ما جاء بك يا بنية؟” قالت جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تذكر حاجتها، وقد قالت عندما قال علي ذلك وأنا قد طحنت في الرحى حتى مجلت يداي، والمجل، هو ثخن الجلد ووجود البثور فيه، وذلك من كثرة ما كانت تطحن الشعير رضي الله عنها وأرضاها، فلما ذهبت إلى أبيها استحيت أن تذكر حاجتها فرجعت، فقال الإمام علي كلمتيه؟ قالت لا، فأخذها علي وذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة قد طحنت حتى مجلت يداي، قال وقد أتى الله بسبي وسعة فأخدمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال “والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانها”