السيدة هاجر عليها السلام ” جزء 3″

الدكرورى يكتب عن السيدة هاجر عليها السلام ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

السيدة هاجر عليها السلام ” جزء 3″

ونكمل الجزء الثالث مع السيدة هاجر عليها السلام، وقد أتفق المؤرخون حول مسقط رأس السيدة هاجر وأنها ولدت فى مصر، بمنطقة تل الفرما التى تبعد عن محافظة بورسعيد بعدة كيلو مترات، وبحسب ابن هشام فى سيرته فإنها ولدت فى قرية الفرما، وهى مدينة مصرية فى أقصى الدلتا على مقربة من بحيرة تنيس، ويذكر العرب أن أبوابها المشهورة التى قال عنها نبى الله يعقوب “يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ” وكانت المدينه تعنى بالقبطية بيت آمون، وذكرت فى التوراة باسم سين أى قوة مصر، وأصبح اسمها الفرما، وتعرضت لعدوان الروم البيزنطيين، وبنى فيها الخليفة العباسى المتوكل حصنا يطل على البحر ليحميها من تلك الهجمات عام مائتان وتسع وثلاثون من الهجرة، وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.

” إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما” فأما الرحم التى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم؟ كانت السيدة هاجر أم إسماعيل منهم” وبعد قصة بئر زمزم، أيقنت رضى الله عنها أن وراء هذا الاختبار فرجا، ولكنها لم تكن تدرى كيف السبيل لذلك، وقد نأى عنها زوجها وتركها فى تلك الصحراء الواسعة، فجلست تضم صغيرها وتدعو الله أن يغفر لها، وما لبثت أن نفد منها الزاد والماء، وبدأ صغيرها فى البكاء عطشا، فقامت تبحث له عن الماء، وكان سعيها بين جبلى الصفا والمروة سبعة أشواط تعتلى فى كل مرة جبلا وتنظر حولها، لعلها تجد أثرا للماء، فلم تجده، حتى كان فرج الله الذى أرسل جبريل فضرب بعقبه الأرض ففجر نبعا، وعادت الأم لتجد نبع الماء عند ولدها، فجعلت تزم التراب حوله ليتجمع، ولذلك سمى زمزم.

ويقول عنه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” يرحم الله أم اسماعيل، لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا” رواه البخاري، وبعد أيام مرّ على السيدة هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام بعض أناس من قبيلة جُرهم، وأرادوا البقاء فى هذا المكان بعدما رأوا ماء زمزم، فسمحت لهم بالسكن بجوارها، واستأنست بهم، وشبّ الطفل الرضيع بينهم وتعلم اللغة العربية، ولما كبر تزوج امرأة منهم، ويقول عبد الله بن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهى تحب الأنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم وكان للسيدة هاجر بينهم مكانتها الكبيرة ومقامها الرفيع وكلما زاد العمران على المكان سعدت السيدة هاجر بذلك وشب إسماعيل وتعلم اللغة العربية من قبائل جرهم التى جاءت إلى المكان لتسكن وتستقر، وقد ماتت السيدة هاجر عن تسعين عاما.

ودفنها إسماعيل عليه السلام بجانب بيت الله الحرام، ورحلت وتركت لنا مثالا رائعا المؤمنة والزوجة المطيعة والأم الحانية، وفاها الله وأجزل فضله عليها فعطر ذكرها وأعظم ذكراها ودفنها بجوار بيته وآنسها فى وحشتها وآمنها فى غياب زوجها ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب، وعرف قبرها بحجر إسماعيل، أى المكان الذى تربى فيه أحد المرسلين السماويين وأصبح جزءا من المطاف، ويعد الطواف حول الكعبة دون المرور حوله باطلا، فهذه هى السيدة هاجر أم العرب الكنعانيين وأم الذبيح إسماعيل، التى ضربت أروع الأمثلة للمرأة المؤمنة والصالحة، امتثلت لتنفيذ أوامر الله بإيمان وصبر فاستحقت الثواب الإلهى بأن رفع الله تعالى مقامها، من الطبقة الدنيا بوضع قبرها بجوار الكعبة المشرفة وتحول مكان مسعاها بولدها بين الصفا والمروة أحد أركان الحج الذى يأتيه المسلمون كل عام من كل حدب وصوب، كما شرفت بأن أرسل خاتم النبيين وأفضل البشر من نسلها المبارك.