الدكرورى يتكلم عن أبي موسي الأشعري ” جزء 3″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
أبي موسي الأشعري ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع أبي موسي الأشعري، وقد قدم أبو موسى الأشعري إلى مكة قبل الإسلام، وحالف أبا أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وقد أسلم أبو موسى بمكة، ثم رحل إلى قبيلته في اليمن، ثم خرج في بضعة وخمسين رجل من قومه فيهم أخويه أبو رهم وأبو بردة، وكانت أمه هى السيده ظبية بنت وهب العكيّة التي أسلمت وماتت بالمدينة في سفينة، فجرفهم البحر إلى الحبشة، حيث كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه مهاجرون، فخرجوا جميعا في سفينتين متوجهين إلى المدينة المنورة، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم، عائدا من فتح خيبر، فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم، لهم فيمن حضر الفتح، وقال لهم ” لكم الهجرة مرتين” هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليّ ” فكانت غزوة خيبر أول المشاهد التي شهدها أبو موسى الأشعري مع النبي صلى الله عليه وسلم،
وأما عن الهرمزان فهو أحد قادة الفرس إبّان الفتح الإسلامي، وكان قائد الجيش الفارسي في معركة القادسية، وهو حاكم الأهواز، أثناء فتح فارس في عهد يزدجرد الثالث، وكان قد عقد صلحا مع المسلمين في السنة السادسة عشرة للهجرة، ما لبث أن نقضه فيما بعد بتحريض من يزدجرد، وعلم المسلمون بذلك فجهزوا جيشا لمحاربته ومحاربة من تعاقد معه على ذلك، فأسر، وأقبلوا به إلى المدينة مكتوف اليدين وعليه تاجه وحليته، فأراد عمر أن يضرب عنقه، فأعلن إسلامه في قصة طريفة، فقد روي أن عمر قال له يا هرمزان، كيف رأيت وبال الغدر؟ فقال له يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كنا نغلبكم، إذ لم يكن الله معكم، ولا معنا، فلما كان الله معكم غلبتمونا، قال له عمر فما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة ؟ قال أخاف إن قلت أن تقتلني، قال لا بأس عليك، فاخبرني.
فاستسقى ماء، فأخذه، وجعلت يده ترعد، قال مالك ؟ قال له أخاف أن تقتلني وأنا أشرب، قال لا بأس عليك حتى تشربه، فألقاه من يده، فقال ما بالك، أعيدوا عليه الماء ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش، فقال كيف تقتلني، وقد أمنتني؟ فقال له كذبت، قال لم أكذب، فقال أنس صدق يا أمير المؤمنين، قال ويحك يا أنس، أنا أؤمن قاتل مُجزأة بن ثور والبراء بن مالك، والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك، قال إنك قلت “لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشرب” وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس، فأقبل على الهرمزان، فقال تخدعني، والله لا تخدعني إلا أن تسلم، فأسلم، ففرض له ألفين وأنزله المدينة، ولما قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد أخبرهم عبد الرحمن بن أبي بكر بأنه رأى الهرمزان وجفينة وأبا لؤلؤة يتناجون فنفروا منه فسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه.
فلما رأى الخنجر الذي قتل فيه عمر على نفس الوصف الذي ذكر عبد الرحمن، خرج عبيد الله مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان وطلب منه أن يصحبه حتى يريه فرسا له، وكان الهرمزان بصيرا بالخيل، فخرج يمشي معه فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حر السيف صاح لا إله إلا الله، ثم أتى جفينة وكان نصرانيا فقتله، ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة فقتلها، فقبض عليه وسجن إلى أن تولى عثمان بن عفان الخلافة فاستشار الصحابة في أمره فأفتى بعضهم بقتله، وأفتى بعضهم الآخر بالدية، فأدى عثمان الدية من ماله وأطلقه ولما تولى علي الخلافة، وكان يرى أن يقتل بالهرمزان خرج عبيد الله إلى الشام وانضم إلى معاوية بن أبي سفيان، حارب وقتل في معركة صفين، وقد ذكر الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك، خلاف ذلك تماما وما يقال أنه قال القماذبان عن قتل أبيه الهرمزان.
كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه وقال ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال آنس به، فرآه رجل، فلما أصيب عمر بن الخطاب، قال رأيت هذا مع الهرمزان، دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله، فلما ولي عثمان بن عفان دعاني فأمكنني منه، ثم قال يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي، إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم ألي قتله؟ قالوا نعم، وسبّوا عبيد الله، فقلت، أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا لا وسبّوه، فتركته لله ولهم، فاحتملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم.