الإمام مالك بن أنس ” جزء 1″ 

الدكرورى يتكلم عن الإمام مالك بن أنس ” جزء 1″ 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الإمام مالك بن أنس ” جزء 1″

لا يفتى ومالك في المدينة، وقيل أن امرأة بالمدينة في زمن الإمام مالك غسلت امرأة فالتصقت يدها على فرجها فتحير الناس في أمرها هل تقطع يد الغاسلة أو فرج الميتة ؟ فاستفتي مالك في ذلك فقال سلوها ما قالت لما وضعت يدها عليها؟ فسألوها فقالت، قلت طالما عصى هذا الفرج ربه، فقال الإمام مالك هذا قذف، اجلدوها ثمانين تتخلص يدها، فجلدوها ذلك فخلصت يدها، فمن ثم قيل لا يفتى ومالك في المدينة، فهو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي، وكان أبو عامر أبو جد مالك حليف عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي، وكنيته أبو عبد الله من سادات أتباع التابعين، وجلة الفقهاء والصالحين، وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية.

وقد وُلد بالمدينة المنورة سنة ثلاثة وتسعون من الهجرة وعاش فيها، وبدأ الإمام مالك طلبه للعلم وهو غض طري، فحصل من العلم الكثير، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة وهو ابن إحدى وعشرين سنة، كما قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب، وقال مصعب الزبيري ” كان مالك من أحسن الناس وجها، وأحلاهم عينا، وأنقاهم بياضا، وأتمهم طولا في جودة بدن” وقال أبو عاصم “ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك” وقيل أن مولد الإمام مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين، وقيل كان ذلك عام موت أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب مالك العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وقد حوى علم أهل الحجاز وخصوصا علماء المدينة، فقد تفقه على نافع.

وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة، وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد، وإلى أن مات، وكان الإمام رحمه الله يتزين لمجلس الحديث، ويضفي عليه من الهيبة والجلالة ما لم يكن لغيره، حتى قال الواقدي ” كان مجلسه مجلس وقار وعلم، وكان رجلا مهيبا نبيلا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، ولا رفع صوت، وإذا سئل عن شيء فأجاب سائله لم يقل له من أين هذا ” وكان لإخلاصه في طلب العلم التزم أمورا وابتعد عن أمور.

فالتزم السنة والأمور الظاهرة الواضحة البينة، ولذلك كان يقول ” خير الأمور ما كان منها واضحا بيّنا، وإن كنت في أمرين أنت منهما في شك، فخذ بالذي هو أوثق ” والتزم الإفتاء فيما يقع من المسائل دون أن يفرض رأيه، خشية أن يضل وأن يبعد عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزم الأناة في الإفتاء، وكان يفكر التفكير الطويل العميق، ولا يسارع إلى الإفتاء، فإن المسارعة قد تجر إلى الخطأ، ويقول ابن القاسم تلميذه ” سمعت مالكا يقول إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، ما اتفق لي فيها رأي إلى الآن ” وكان يقول ” من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ”

وروى الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال” يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة ” ثم قال هو مالك بن أنس، وقال أبو مصعب” كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء” وقالت فاطمة بنت مالك ” كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها” وقال ابن المبارك “رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة كانت بينه وبين الله، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة، فليكن في عمله في السر أكثر منه في العلانية”.

وقال سعيد بن أبي مريم “ما رأيت أشد هيبة من مالك، لقد كانت هيبته أشد من هيبة السلطان” وقال الشافعي “ما هبت أحدا قط هيبتي مالك بن أنس حين نظرت إليه” ويلحظ أن في سيرة الإمام مالك، عدة مواقف تدل على صيانته للعلم من الابتذال من الكبار والأمراء، وقد كان يربي طلابه على ذلك، فقد قال ابن وهب ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه، ومن أشهر المواقف في ذلك موقفه مع الخليفة العباسي المهدي، فقد قدم المهدي المدينة، فبعث إلى مالك، فأتاه، فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث إليه، فلم يجبهما، فأعلما المهدي، فكلمه فقال يا أمير المؤمنين، العلم يؤتى أهله، فقال صدق مالك، صيرا إليه ، فلما صارا إليه، قال له مؤدبهما اقرأ علينا.