الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 1″ 

الدكرورى يتكلم عن الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 1″ 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 1″

إن الإيمان هو التصديق الجازم والإقرار الكامل، والاعتراف التام، بوجود الله سبحانه وتعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئنانا ترى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه وأن رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الله، وخاتم النبيين، وقبول جميع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا وعن دين الإسلام، من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية، وبجميع مفردات الدين، والانقياد له صلى الله عليه وسلم بالطاعة المطلقة فيما أمر به، والكف عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم وزجر، ظاهرا وباطنا، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم.

إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال ” يا محمد أخبرني عن الإسلام ” فقال له ” الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ” قال” صدقت ” فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال ” أخبرني عن الإيمان ” قال ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ” قال ” صدقت ” قال ” فأخبرني عن الإحسان ” قال ” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” قال ” فأخبرني عن الساعة ” قال ” ما المسؤول بأعلم من السائل ” قال ” فأخبرني عن أماراتها ”

قال ” أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان ” ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال” يا عمر، أتدري من السائل ؟ ” قلت “الله ورسوله أعلم ” قال” فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ” رواه مسلم، وهذا الحديث عظيم القدر كبير الشأن جامع لأبواب الدين كله بأبسط أسلوب وأوضح عبارة، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث أفضل من قوله صلى الله عليه وسلم ” فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ” وقد تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث الإسلام والإيمان والإحسان وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا لأن الله سبحانه وتعالى علق عليها السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه المراتب ارتباط وثيق فدائرة الإسلام أوسع هذه الدوائر تليها دائرة الإيمان فالإحسان وبالتالي فإن كل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم ومما سبق.

يتبيّن لك سر العتاب الرباني على أولئك الأعراب الذين ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، وهو لم يتمكن في قلوبهم بعد، فيقول الله في كتابه “قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم” من سورة الحجرات، فدل هذا على أن الإيمان أخص وأضيق دائرة من الإسلام، وإذا أردنا التعمق في فهم المراتب السابقة، فإننا نجد أن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع، والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا، وهو الدين الذي امتن الله به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وجعله دين البشرية كلها إلى قيام الساعة، ولا يقبل من أحد سواه، وللإسلام أركان ستة كما جاء في الحديث، أولها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وفي الجمع بينهما في ركن واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة لا تتم ولا تقبل إلا بأمرين الإخلاص لله تعالى.

ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قوله تعالى “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا” سورة الكهف، والملاحظ هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة، وذلك لأن الإسلام والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال القلوب، أما الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح والأركان، فالإقرار بالقلب معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الحكيم، ويسلم به ويذعن له، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم بقوله “إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا” من سورة الحجرات.