الدكروري يكتب عن جريمة الزنا
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
جريمة الزنا
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالإصلاح الشامل، فأوجبت واجبات، وحددت حدودا، وحرمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن هذه الفواحش المحرمة جريمة الزنا التي هي من أكبر الجرائم وأفظعها وأشدها فتكا في جسم الأمة لأنها الأصل لكثير من المفاسد، وكبيرة من كبائر الذنوب حرمتها جميع الشرائع وحاربها الدين الإسلامي الحنيف ولقد نهى الله عن قربان الزنا، وقربانه إتيان دواعيه من المشي إليه، والنظر إلى الصور السيئة، والاستماع إلى الشر ونحو ذلك، وقد ذكر الله أن الزنا فاحشة، أي أمر قبيح فاحش ممقوت مبغض عند أصحاب الفطر السليمة التي فطر الله الناس عليها، كما أخبر أن طريقه طريق سيء فساء سبيل سالكه، فهو ممقوت مبغض من جميع أهل العقول والثبات المؤمنين، ولا يحب فاعله إلا الفسقة الفجرة، ولقد وعد الله الزانين بالخلود في النار.
إذا لم تقع منهم التوبة النصوح، فقال تعالى ” والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئتهم حسنات وكان الله غفورا” والزنا هو الذي يُقتل فاعله شر قتلة، وذلك برجمه بالحجارة حتى يموت إذا كان محصنا، وأما إذا كان بكرا فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عن بلده عاما كاملا وقد أمرنا الله أن لا تأخذنا بالزاني رأفة ولا رحمة، وأن يجتمع المسلمون على رجمه وجلده تشديدا في العقوبة، وردعا عن أن يعتاد هو أو غيره على هذه الجريمة القبيحة المفسدة للمجتمعات، الجالبة للأوبئة والأمراض، وإن الزاني ليعد جانيا على دينه حيث وقع فيما حرم الله، وجانيا على نفسه وعلى عرضه حيث دنس نفسه بهذه الرذيلة.
وأهملها تسعى وراء الشهوات وتنقاد للشيطان الرجيم، فكم أفسدت جريمة الزنا من عائلات؟ وكم غيرت من إنسان؟ وكم أدخلت على العشيرة من ليس منهم؟ وكم أخرجت المواريث عن أصحابها ومستحقيها؟ وإن في جريمة الزنا لهتكا للأعراض، وإنزالا للنفوس من أعلى درجات الشرف والعفة والفضيلة إلى درك الضعة والرذيلة، كما أن فيه قطعا للنسل الذي أمر الله به لأن الزانية والزاني إذا وُجد بينهما حمل أو ولد يشتد الخطب عليهما وتعظم المصيبة، فيسول لهما الشيطان أن يقتلا هذا المولود البريء طلبا للستر، وإخفاء للجريمة إذا لم يكن للزانية زوجا فتنسبه إليه فيجمعان إلى جريمة الزنا جريمة نسبه لغير أبيه، أو جريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وما ظهر الزنا في أسرة إلا تكاثرت عليها الأمراض والموت والفقر والذلة والضعة والهوان.
فالزنا سبب للإصابة بأمراض هي من أشد الأمراض فتكا في الأجسام، مثل الزهري والسيلان والقرحة، فالزانية والزاني اللذان عرضا أنفسهما لهذا العمل الخبيث وباعا أعراضهما بهذه اللذة المستعجلة، ولم يمنعهما إيمانهما عن الانهماك في الملذات واتباع هوى أنفسهما والشيطان لا بد أن يكونا معرضين لمثل هذه الجراثيم الفتاكة، وهناك نداء من الله عز وجل يوضح لنا فيه العوده اليه والوقوف بين يديه, وان الى ربك الرجعى فينادى علينا جميعا ويقول “يا ايها الذيم آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون ” فاجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية، فقد وصف الإمام علي رضي الله عنه التقوى، فقال هي “الخوف من الجليل” فالتقوى هي أن تتقي الله، بقلبك من الغفلات، وبنفسك من الشهوات، فالتقوى أن تعبد الله على نور من الله.
ترجو ثوابه وتخشى عقابه، ومن يتق الله يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ومن يتق الله يجعل له نورا وفرقانا، فعن معاذ رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أوصني فقال صلى الله عليه وسلم “عليك بتقوى الله ما استطعت” وقال ميمون بن مهران “لا يكون العبد تقيا، حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه” وهكذا “ولتنظر نفس ما قدمت غد؟” والغدهو يوم القيامة، فيقول تعالى ” إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا” وربما لن ترجع إلي أهلك بعد هذه اللحظات، ربما تكون هذه الدقائق هي الأخيرة من حياتك، فالموت يأتي بغتة وفجأة، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم عرضكم على ربكم، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال “الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني” رواه الإمام أحمد والترمذي، فاتقوا الله عباد الله وغضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم، فقال الله تعالى ” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون”