فوائد المرض وحكمه ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن فوائد المرض وحكمه ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

فوائد المرض وحكمه ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع فوائد المرض وحكمه، ومن فوائد المرض وحكمه أنه تذكره وعظه للعبد، فلربما أصيب الإنسان حال صحته وقوته بشيء من الكبر والعجب، والفرعنة وقسوة القلب، وغيرها من الأمراض المهلكة الفتاكة، فيرحمه أرحم الراحمين بأن يبتليه بأنواع من المصائب والأسقام، التي تريه عفه وعجزه وتواضعه، فتكون هذه الأمراض والأسقام بمثابة الحمية لهذا العبد من أدواء أخطر وأعظم، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلى ويمتحن بنعمائه، ومن فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم ” الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ” وإن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارا للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات.

كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة فقال تعالى “ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” وإذا نزل بالعبد مرض مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم قال تعالى “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” فإن كل الأعمال قد تجد لها أجرا معينا إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب، والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله عز وجل، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا نعم فيقول وهو أعلم فماذا قال ؟ فيقولون حمدك واسترجع فقال ابنو لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد” ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله تعالي.

فإن هذه الأسقام والأمراض إنما هي ابتلاء من أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، والله سبحانه وتعالى ، لم يرسلها على عبده ليُهلكه بها، ولا ليعذبه بها، كلا، وإنما ليمتحن صبره ورضاه عنه، وإيمانه، ويسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحا ببابه، لائذا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعا قصص الشكوى إليه وهذا شيء من حكم وفوائد وأسرار الابتلاء بالمرض، ولا يظن ظان مما سبق أن المرض مطلب منشود، كلا، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرض، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية” ومن فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ، وإذا صبر العبد إيمانا وثباتا كتب في ديوان الصابرين.

ويكفي الصابرين شرفا أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا، فقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين” وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفا أنهم أهل الزيادة قال تعالى “ولئن شكرتم لأزيدنكم” والنبي صلى الله عليه وسلم قال ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إت أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن ” وما أعظم الأجر، لو قدر الله المرض على عبد وهو مقيم على عبادته وطاعته وذكره، ما أجمل المرض يوم يقدم على العبد وهو من أهل القرآن والمحافظين والسابقين لفضائل الأعمال من قيام ليل وصيام ونهار، فإن الله إذا أقعد عبده بالمرض، كتب له ما كان يعمل حين كان صحيحاً، أي فضل أعظم من هذا؟

ويا أخي المريض، إذا حل بك المرض وأقعدك، فتدارك نفسك بتوبة لله صادقة، وذكر له على كل حال، ولا تنس نفسك من عمل صالح أو فعل خير أو صدقة جارية، وتأهب للموت برد الودائع إلى أهلها، والتخلص مما في ذمتك من مال، أو مظلمة، أو دين، فكم من مريض له ذنوب لا يتوب منها، أو عنده ودائع لا يردها، أو عليه دين أو زكاة أو في ذمته مظلمة لا يؤديها، وإنما تفكيره وحزنه على فراق الدنيا وما فيها، لا هم له سواه، وإن من فوائد المرض هو أن الله تعالى يكون قريبا من المريض يرحمه ويجيب دعاءه ويثيب زوّاره والقائمين عليه، ولذلك تحتفي الملائكة بعائد المريض، بل ويعتب الله عز وجل، على من ترك عيادة المريض، كما جاء في الحديث ” إن الله عز وجل، يقول يوم القيامة يا بن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب كيف تمرض وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، اما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده”

ومن عجائب المرض أن صاحبه تكتب له جميع أعماله التي كان يعملها وهو صحيح فتستمر حسناته على ما كان يعمل وهو معافى لا ينقص منها شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل صحيحا مقيما” ومما يدل على عظم ثواب المرضى الصابرين في الآخرة، قوله صلى الله عليه وسلم ” يود أهل العافية يوم القيامة ، حين يعطي أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت فى الدنيا بالمقاريض”