الدكروري يكتب عن العبادة والإستقامة ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العبادة والإستقامة ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع العبادة والإستقامة، فإذا تمكن الإيمان من النفس البشرية فإنها حينئذ تمتلئ بالسكينة واليقين والرضا، فتسعد في الدنيا والآخرة، والمؤمن الحقيقي يدرك يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا ما يجعله يتقلب بين مقام الشكر حال السراء، ومقام الصبر حال الضراء، فيطمئن قلبه بأن كل ما قضاه الله عز وجل هو خير له، وأن الإيمان يعصم صاحبه من ارتكاب الموبقات، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبه، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن” كما أن المؤمن الحقيقي ينزه نفسه.
عن كل ما يؤذي مشاعر الناس كالسخرية والاستهزاء وسوء الظن، ومن ثمرات الإيمان هو التأييد والنصر من الله تعالى، فالإيمان الصادق يجعل العبد في معية الله سبحانه وتعالى، حيث يقول الحق سبحانه ” وأن الله مع المؤمنين” والمعية هنا تقتضي النصر والعون والتأييد، وأما معيته الخاصة فهو مع المؤمنين بنصره وتأييده كما قال لموسى وهارون عليهما السلام ” إنني معكما اسمع وأري” وهو مع المتقين، ومع المحسنين، ومع الصابرين، فمن يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقال بعض السلف لأخيه “إن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟” وهذه هي المعية التي يدافع الله بها عن المؤمنين.
وهي المعية التي كان الله بها مع نبيه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في الغار ” يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ” لا تحزن إن الله معنا، وهي معية النصرة والتأييد، مؤنسة مطمئنة، مذهبة للخوف، والوجل، والرعب، والمعية الخاصة هي التي يطمئن بها المؤمنون، ويزدادون عملاً بأن الله لا يتخلى عنهم، فكم فكت من أسير للهوى قد ضاع، وأيقظت من غافل قد التحف بلحاف الشهوة فماع، وكم من عاق لوالديه ردته عن معصيته، وكم من عابد لله بكى لما استشعر معيته، وكم من مسافر رافقته، وكم من الناس الذين هم مع ربهم والله معهم، ومن ثمرات الإيمان هو محبة الله لعبده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل عليه السلام.
فقال إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض” ومعنى إذا أحب الله تعالى العبد هذا كما سبق فيه إثبات صفة المحبة لله تبارك وتعالى، وأن الله يحب كما أنه يُحب، فالله يحب بعض الأعمال، كما أنه يحب بعض عباده محبة تليق بجلاله وعظمته، ليس كمحبة المخلوقين “إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلانا فأحببه” وما قال إن الله أحب فلانا، بل “إن الله يحب” والفعل المضارع يدل على التجدد والاستمرار.
إن الله يحب فلانا فأحببه فلا تبقى محبة الله ، للعبد محبة تختص به بل يكون من نتيجة ذلك وأثره أن عظيم الملائكة وكبير الملائكة وهو جبريل، يحبه بأمر الله عز وجل فصار الله يحبه، وأعظم الملائكة وهو جبريل يحبه، فينادي في أهل السماء يعني، جبريل عليه السلام ينادي في أهل السماء وهم الملائكة إن الله يحب فلانا، والسماء هنا جنس تشمل السموات السبع الطباق، كل أهل السموات ” فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء” وأهل السماء هنا هذه تدل على العموم كل أهل السماء، لأن “أهل” أضيفت إلى معرفة فكان ذلك عاما كل الملائكة يحبونه ولا يُستثنى من هذا أحد، ثم يوضع له القبول في الأرض يوضع له القبول أي أن قلوب العباد تحبه، إذا رآه أحد أحبه.