الدكروري يكتب عن العبادة والإستقامة ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العبادة والإستقامة ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع العبادة والإستقامة، كما قال الله عز وجل، وهو أحد التفاسير المشهورة في الآية، في قوله تعالى عن نبي الله موسى عليه السلام ” وألقيت عليك محبة مني” فما رآه أحد إلا أحبه، فوضع القبول للعبد في الأرض دليل على محبة الله عز وجل له، والمقصود بوضع القبول له عند أهل الإيمان، وإلا فإن أهل الكفر لا يحبونه، وفرعون لا يحب موسى قطعا، والملأ من قوم فرعون ما كانوا يحبون موسى، وإنما القبول عند أهل الإيمان، وكل ثمرات الإيمان، كل هذا للمؤمن، وليس ذلك إلا للمؤمن وهى السعادة الحقيقية والراحة النفسية، مما يجعله يشعر بأنه في جنة الدنيا من السعادة وراحة البال، لأن له رب واحد هو الله جل وعز، ونبي واحد هو محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهج واحد هو اتباع رضوان الله، وهدف واحد هو جنة عرضها السماوات والأرض، ولنعلم جميعا أننا إذا إلتفتنا يمينا وشمالا فترى العيادات النفسية تمتلىء بالمرضى، وتستمع للشكاوى والهموم والغموم والأرق وقلة النوم والهواجس والكوابيس، فتعلم علم اليقين أن هذا كله بسبب الابتعاد عن الإيمان الحق بالله جل وعز، وبسبب الركون للدنيا والتعلق بها، فالماديات قد طغت على الجوانب الروحية، والإنسان بحاجة ماسة لإشباع الجانب الروحي، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان الحق بالله جل وعز والتعلق به ومداومة ذكره، والإيمان بالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله جل وعز، فالمهم أن كثيرا من الخلق قد غفل عن دواء القلب.
وعن راحة الصدر، وعن جنة الدنيا لهثا وراء حطام الدنيا الفانية، فلا هو حقق ما يريد، ولا هو استراح من أول الطريق ، وإشباع الجانب الروحي لن يحصل إلا بالإيمان، لأن الروح من عند الله، والجسد خلقه الله من تراب، فكلما أشبعت الجانب الروحي سمت نفسك وارتقت واطمأنت وارتفعت عن سفاسف الأمور، وكلما أهملت هذا الجانب انحدرت نفسك إلى الطبيعة الحيوانية الشهوانية، وزاد ضيقها وضنكها، وأظلمت الدنيا في عينيها، ولقد خلق الله عز وجل المؤمن ليكون في المرتبة الأعلى وفي المكانة الأعلى، ولا يكون في المرتبة التالية، أو المكانة الدونية، لا يكون تابعا وإنما يكون متبوعا، يكون قائدا ولا يكون مقودا، لماذا؟ لإنه ينتمي إلى أمة عريضة، أمة الأفضلية.
فيقول تعالى ” وفضلناكم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” وكذلك قهي أمة الخيرية، فيقول تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس” وكذلك فهي أمة الفوقية، حيث قال تعالي ” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا” فحقا لن يجعل الله الغلبة والقهر للكافرين على المؤمنين، فإنه وعد من الله قاطع، وحكم من الله جامع، متى استقرت حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين، وتمثلت في واقع حياتهم، تجردا لله، ومنهجا للحياة، ونظاما للحكم، وزادا للآخرة، في القوة والضعف، في الفقر والغنى، في العسر واليسر، ارتقت الأمة إلى مكانتها المستحقة، فيقول الله عز وجل في سورة آل عمران ” ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”
أي بمعني أنتم الأعلون فلا تحزنوا، وأنتم الأعلون فلا تهنوا، أنتم الأعلون إذا حققتم شروط الإيمان، والمسلم يتقلب بين الخوف والرجاء، والترهيب والترغيب، والوعد والوعيد، لذلك عليه أن يجعل دنياه مزرعة لآخرته، فيعمل لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، هكذا يوجه الله عباده في القرآن الذي نزل من أعلي من فوق سبع سموات، وإن المؤمن في الجنة يرجو كذلك الفردوس الأعلى فثبت عن أنس بن مالك أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر، وكان في النظارة أصابه سهم طائش فقتله، فجاءت أمه فقالت يا رسول الله، إن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرين الله ما أصنع، وتعني من النياحة والبكاء، وكانت لم تحرّم بعد، فقال لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “ويحك أهبلت؟ إنها جنان ثَمان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى”