الدكروري يكتب عن العبادة والإستقامة ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العبادة والإستقامة ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع العبادة والإستقامة، وفي قصة نبي الله موسى عليه السلام ” قلنا لا تخف إنك أنت الأعلي” أي لا تخف إنك أنت الأعلى فمعك الحق ومعهم الباطل، معك العقيدة ومعهم الحرفة، معك الإيمان بصدق ما أنت عليه، ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة، أنت مُتصل بالقوة الكبرى، وهم يخدمون مخلوقا بشريا فانيا، مهما يكن طاغية جبارا لا تخف، وإن طريق القمة ليس مفروشا بالورود، لكنه يصل بالسالكين إلى أجمل الورود، وأزكى الرياحين، وأنضج البساتين، على جنباته أنوار، وفي طياته إيمان وأسرار، طريق إلى السمو والعلو، على مرتاديه أن يُغيروا ما بأنفسهم؛ حتى يغيّر الله ما بهم، ويحفظوا ربهم فيحفظهم، ويدعوه فيستجيب لهم، ويسألوه فيعطيهم، أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا فيصلوا إلى بغيتهم، إنه طريق الواثقين المتقين.
أما المنافقون، فهم في الدنيا متسلقون ومخادعون ” إن المنافقين يخادعون الله وهو خادغهم” وحيثيات الخداع ” وإذا قاموا غلي الصلاة قاموا كسالي يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” وإن من عوامل الفسق هو التسفل والانحطاط، فيقل الله عز وجل ” يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون” وإنهم في الآخرة سافلون، لهم في جهنم دركات، ليست كدرجات المؤمنين في الجنة، كيف؟ فيقول تعالى “إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا” وإن قيام الليل عبادة عظيمة، وسنة جليلة، وصفة كريمة، من اتصف بها كان من الفائزين السعداء، ومن تحلى بها كان من المتقين النبلاء، لأنه لا يقدر عليها إلا الموفق الكريم.
الذي زكت نفسه، وصفت طويته، وطهرت سريرته، واستقامت علانيته، لذلك وصف الله بها عباده الأخيار الأتقياء، والصالحين من عبادة الأتقياء، الذين اختصهم الله لنفسه وأنعم عليهم سبحانه بعبوديته، وقال الإمام الحسن البصري يعني لا ينامون من الليل إلا قليلا، فهم يكابدون الليل في القيام والركوع والسجود، ومع ذلك يختمون هذه العبادة بالاستغفار، سبحان الله وقدوتهم في ذلك سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه، وجعل الحق جل جلاله المقام المحمود مقرونا بقيام الليل، وهذا يدل على عظيم ما في القيام، لذا قال بعض العلماء عجبت من الليل كيف جعل الله عز وجل فيه هذه الخيرات العظيمة ومع ذلك غفل عنه كثير من الناس.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله “ولم يكن يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلّى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة” وعن أَبي أمامة رضي الله عنه قال، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الدعاء أسمع؟ قال ” جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات” وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ينزل ربنا تبارك كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له”
ومتى يبدأ الثلث الأخير من الليل؟ تحسب من أذان المغرب إلى صلاة الفجر، مثلا، اثنا عشر ساعة، فتقسم اثني عشر ساعة إلى ثلاثة أثلاث فتعتبر آخر أربع ساعات هي الثلث الأخير من الليل، وهذا يختلف باختلاف الصيف والشتاء، فتصوروا أن الملك العظيم الكبير المتكبر الرحمن الرحيم الوهاب المنان ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ماذا يقول ربنا سبحانه وتعالى؟ فيقول “هل من داعي فأستجيب له، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له” فيا لها من لحظات مباركة، فإن الله عز وجل وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه، وإن الله عز وجل ينادي عباده “هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه” وتجد هذا الإنسان العبد المذنب المقصر العاصي، مع ذلك تجده في نوم عميق والله عز وجل ينادي.
ألا يستحي أحدنا من ربه جل في علاه، فإن الله يناديك الرحمن الرحيم الوهاب المنان يناديك “هل من داعي فأستجيب له، وهل من مستغفر فأغفر له” وتجد هذا الإنسان نائما غافلا ساهيا ولا حول ولا قوة إلا بالله.