الدكرورى يكتب عن حكيم بن جبلة العبدى ” جزء 6″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
ونكمل الجزؤ السادس مع حكيم بن جبلة العبدى، فقال الإمام على بن أبى طالب إنه أتاني خبر متفظع ونبأ جليل، إن طلحة والزبير وردا البصرة، فوثبا على عاملي، فضرباه ضربا مبرحا، وترك لا يدرى أحي هو أم ميت؟ وقتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة، في عدة من رجال المسلمين الصالحين، لقوا الله موفين ببيعتهم، ماضين على حقهم، وقتلا السيابجة خزان بيت المال الذي للمسلمين، قتلوهم صبرا، وقتلوا غدرا، فبكى الناس بكاء شديدا، ورفع أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، يديه يدعو لهم، وقيل عن حكيم بن جبلة أنه اتضح أنه لم يكن لديه أدنى شك في جواز قتال أصحاب الجمل، ولكنه امتثل رأي والي أمير المؤمنين عثمان بن حنيف، الذي أراد التفاوض معهم.
حتى يصل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه، ولكن بعد غدر أصحاب الجمل بعثمان بن حنيف فقد صمم حكيم على نصرته، وتمكن من تجهيز جيشٍ، مستخدما مكانته الاجتماعية في عبد القيس، فخرج معه سبعمائة من عبد القيس وربيعة، وخاض ما عرف بواقعة الجمل الأصغر فبعد مقتل عثمان ماجت المدينة، وقيل أنه كان كل من طلحة والزبير يأملان الحصول على الخلافة، وكل يعتمد على علاقته بالسيدة عائشة، إلا أن الموقف لم يعد ملكا لقريش، وإنما للأمصار التي قررت اختيار الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، وكان لحكيم دور في بيعة الإمام إلى جانب الكثيرين، وكان هذا الموقف المتميز من حكيم في قيادة الثائرين وبيعة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، جعله أحد المطلوبين للبيت الأموي.
وخصوصا أنه تميز في موقفه الذي لا هوادة فيه من أصحاب الجمل، فقال سيف بن عمر، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة رجل، وجعل حكيم يضرب بالسيف، فضرب رجل رجل حكيم فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فأصاب جسده فصرعه، فأتاه حتى قتله، وهكذا كانت الفتنة الكبرى فى مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه، وإن الفتن كثيره فى هذا الزمان فإن من الفتن هى فتنة شهوة الفرج والنظر والسمع فإن النفس أمارة بالسوء والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم يزين له معصية الله ويثبطه عن طاعة الله تعالى، ومن رحمة الله عز وجل ولطفه بعبده أن يصرف عنه وجود هذه الفتن فلا يكون له سبيل إليها، ولكن إذا وجدت الأسباب وتهيأت السبل كان الاختبار شاقا شديدا على النفس.
فحين يكون السماع المحرم والنظر المحرم والعلاقات المحرمة قريبةَ الحصول سهلة المتناول تكون الفتنة أشد ومجاهدة النفس عن الانزلاق في أوحالها أشق، لذا فإن على المسلم مع تسارع الفتن وانفتاح أبواب الشرور فلا يأتي يوم إلا وهو أشد مما قبله أن يجتهد في تحصيل أسباب العصمة والسلامة والثبات، ومن تلك الأسباب مباعدة أماكن الفتن واجتنابها، ومنها الإقبال على تلاوة القرآن الكريم وتدبره والاتعاظ بمواعظه، ومنها دراسة سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكيف كانوا يجاهدون الفتن ويحذرونها، ومنها كثرة الدعاء والإلحاح فيه بالثبات على الهدى والرشد والاستقامة و كثرة الاستعاذة بالله من الفتن والزيغ والضلالة، ومنها أيضا قيام الليل والاستكثار من نوافل الطاعات.
فقد رغّب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في العبادة في الفتنة فقال “العبادة في الهرج كهجرة إلي” رواه مسلم، ولما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا من نومه مما فتح تلك الليلة من الخزائن وما أنزل تلك الليلة من الفتن قال ” من يوقظ صواحب الحجرات” يعني من يوقظ نساءه للصلاة بالليل والدعاء والتضرع فإنه وقت مبارك ولا سيما في ثلثه الأخير منه، ومنها طلب العلم الشرعي والدراسة على أهله ومصاحبة الأخيار الأبرار العاملين بعلمهم فإن ذلك كله مما يعين العبد بعد توفيق الله على العصمة والسلامة من الفتن، وإن العوامل التي بها صلاح المجتمع الإسلامي وغيره، هي العوامل التي قام بها إمام النبيين والمرسلين رسول الله محمد صلوات الله عليه، وقام بها صحابته الكرام رضوان الله عليهم من بعده.