نبي الله داود عليه السلام ” جزء 4″

الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

نبي الله داود عليه السلام ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع نبي الله داود عليه السلام، وأن هناك قصة ثالثة في قضاء نبى الله داود عليه السلام، قريبة من القصة السابقة لم تذكر في القرآن، وإنما ثبتت في السنة، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال “بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى لا يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى” وقال العلماء أنه يحتمل أن نبى الله داود عليه السلام، قضى به للكبرى، لشبه رآه فيها، أو أنه كان في شريعته الترجيح بالكبير، أو لكونه كان في يدها.

وكان ذلك مرجحا في شرعه, وأما نبى الله سليمان عليه السلام فتوصل بطريق من الحيلة والملاطفة إلى معرفة باطن القضية، فأوهمهما أنه يريد قطعه ليعرف من يشق عليها قطعه فتكون هي أمه، فلما أرادت الكبرى قطعه عرف أنها ليست أمه، فلما قالت الصغرى ما قالت عرف أنها أمه، ولم يكن مراده أنه يقطعه حقيقة، وإنما أراد اختبار شفقتهما لتتميز له الأم، فلما تميزت بما ذكرت عرفها، ولعله استقر الكبرى فأقرت بعد ذلك به للصغرى، فحكم للصغرى بالإقرار لا بمجرد الشفقة المذكورة، وأما عن سبب نقض نبى الله سليمان لحكم أبيه عليهما السلام، فقد قيل إن داود لم يجزم، أو أن كلامه في القضية فتوى لا حكم، أو لعله كان في شرعهم نسخ الحكم إذا رفعه الخصم إلى حاكم آخر يرى خلافه, وإن نبي الله داود عليه السلام لم يلهه ملكه وحكمه.

عن الإكثار من عبادة ربه تبارك وتعالى، فقد كانت روحه المتألقة في سماء الطاعة تزداد رقيا وصعودا على أجنحة العبادة ومعارج الخلوة بربه سبحانه وتعالى, ولذلك كان ذا عبادة عظيمة، وتزلف كثير ولهذا أثنى عليه الله سبحانه وتعالى بكثرة التوبة والرجوع إليه، فقال سبحانه وتعالى فى سورة ص ” اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ” وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحسن الصيام والصلاة، وأخبر أن خير الصلاة النافلة في الليل صلاته، وخير الصيام المستحب صيامه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه” متفق عليه، وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

الذي كان يديم الصيام ” فصم يوما، وأفطر يوما، وذلك صيام داود، وهو أفضل الصيام” قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله، قال “لا أفضل من ذلك” متفق عليه، ولقد جمع الله تعالى لنبيه داود عليه السلام، خيري الدنيا والدين، فقد أنعم عليه بنعم كثيرة، قال تعالى فى سورة سبأ ” ولقد آتينا داود منا فضلا ” وذكر ذلك أيضا ابنه سليمان عليه السلام في معرض التحدث بالنعمة والشكر لله عليها، كما قال الله تعالى فى سورة النمل ” ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذى فضلنا على كثير من عبادة المؤمنين ” فمن تلك النعم، هى القوة العلمية، فقال الله تعالى فى سورة البقره ” وعلمه مما يشاء ” وقال الله تعالى فى سورة النمل ” ولقد آتينا داود وسليمان علما ” وهذا العلم يشمل العلم بدين الله تعالى، والعلم بتدبير أمر الملك، والعلم بمنطق الطير.

والعلم بمعرفة تسبيح الجبال معه، والعلم بصناعة الدروع الحصينة الخفيفة على حاملها، فقال الله تعالى ” يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد ” وقال تعالى فى سورة ص ” إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق ” وقال أيضا ” والطير محشورة كل له أواب ” وأيضا أعطاه الله تعالى القوة البدنية، وتشمل هذه القوة، على القدرة العظيمة على صناعة الدروع فكان الحديد في يده كالعجين يتصرف فيه كما يشاء، فقال تعالى ” وألنا له الحديد ” وتشمل كذلك القوة العسكرية بقتله جالوت، والقوة على كثرة العبادة من صيام وصلاة وغيرها مع انشغاله بالملك، وأعطاه الله تعالى قوة الملك بتسخير الأسباب المادية والمعنوية ليقوى ملكه من كثرة الجنود، وحسن السيرة، والعدل والفصل في الخصومات, فقال الله تعالى ” وشددنا ملكه “