الجزء الرابع مع سلمه بن عمرو بن الأكوع

الدكرورى يكتب عن سلمه بن عمرو بن الأكوع “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع سلمه بن عمرو بن الأكوع ، ثم صعد على جبل ووجهه إلى المدينة، وصرخ يا صباحاه، يا صباحاه، وهو صوت معلوم عندهم للنجدة، وقد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فعبأ أصحابه، وبلغهم الغلام الخبر، فهبوا، أما سلمة فتبع القوم، يرميهم بالنبال من بعيد، فيجرون، وتشرد منهم الإبل فيخليها خلفه، ويتخففون مما يحملون، فيلقون الأغطية والرماح فيستولى عليها سلمة ويضع عليها أحجارا بطريقة خاصة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي في الوقت نفسه علامات لهم على الطريق المسلوك ليتابعوه، منذ الصباح وحتى الليل وسلمة يتابع القوم، وهم يجرون أمامه، حتى وصلوا إلى ماء ذي قرد، وهم وما معهم من الإبل عطاش.

فنزلوا يشربون، فأمطرهم سلمة بوابل من النبل فتركوا البئر وهم عطاش، ولحقه جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزلوا عند البئر، وقد استنقذت إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها غنائم المشركين، ثم رجعوا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يردف سلمة خلفه على ناقته، وقد أعطاه من الغنيمة سهمين، بدلا من سهم واحد، وقد أراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله في عبارة واحدة فقال” ماكذب أبي قط ” وحسب انسان أن يحرز هذه الفضيلة، ليأخذ مكانه العالي بين الأبرار والصالحين، ولقد أحرزها الصحابى سلمة بن الأكوع وكان هو جدير بها، وكان سلمة من رماة العرب المعدودين، وكان كذلك من المبرزين في الشجاعة والكرم وفعل الخيرات.

 

وحين أسلم نفسه للاسلام، قد أسلمها صادقا منيبا، فصاغها الاسلام على نسقه العظيم، وكذلك فإن سلمة بن الأكوع من أصحاب بيعة الرضوان، حين خرج الرسول وأصحابه عام ست من الهجرة، قاصدين زيارة البيت الحرام، وتصدّت لهم قريش تمنعهم، ولقد وفى بالبيعة خير وفاء، بل وفى بها قبل أن يعطيها، منذ شهد أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، وهو يقول ” غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات ” وكان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة، ويرمون بالنبال والرماح، فكان اذا هاجمه عدوه تقهقر دونه، فاذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجمه في غير هوادة، وبهذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده، القوة التي أغارت على مشارف المدينة بقيادة عيينة بن حصن الفزاري في الغزوة المعروفة بغزو ذي قرد.

 

خرج في أثرهم وحده، وظل يقاتلهم ويراوغهم، ويبعدهم عن المدينة حتى أدركه الرسول في قوة وافرة من أصحابه، وفي هذا اليوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ” خير رجّالتنا، أي مشاتنا، سلمة بن الأكوع ” ولم يعرف سلمة الأسى والجزع الا عند مصرع أخيه عامر بن الأكوع في حرب خيبر، وكان عامر يرتجز أمام جيش المسلمين هاتفا لا همّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام ان لاقينا في تلك المعركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد المشركين فانثنى السيف في يده وأصابت ذوّابته منه مقتلا، فقال بعض المسلمين “مسكين عامر حرم الشهادة ” عندئذ لا غير جزع سلمة جزعا شديدا، حين ظن كما ظن غيره أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ.

 

قد حرم أجر الجهاد، وثواب الشهادة، لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع الأمرو في نصابها حين ذهب اليه سلمة وقال له أصحيح يا رسول الله أن عامرا حبط عمله ؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم ” انه قتل مجاهدا، وأن له لأجرين، وانه الآن ليسبح في أنهار الجنة” وكان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوادا اذا سئل بوجه الله، فلو أن انسانا سأله بوجه الله أن يمنحه حياته، لما تردد في بذلها، ولقد عرف الناس منه ذلك، فكان أحدهم اذا أراد أن يظفر منه بشيء قال له ” من لم يعط بوجه الله، فبم يعطي “؟ ويوم قتل عثمان، رضي الله عنه، أدرك المجاهد الشجاع أن أبواب الفتنة قد فتحت على المسلمين، وما كان له وهو الذي قضى عمره يقاتل بين اخوانه.

 

أن يتحول الى مقاتل ضد اخوانه، أجل ان الرجل الذي حيّا الرسول مهارته في قتال المشركين، ليس من حقه أن يقاتل بهذه المهارة مسلما، ومن ثمّ، فقد حمل متاعه وغادر المدينة الى الربدة، نفس المكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له ومصيرا، وفي الرّبدة عاش سلمة بقية حياته، حتى كان يوم عام أربعة وسبعين من الهجرة، فأخذه السوق الى المدينة فسافر اليها زائرا، وقضى بها يوما، وثانيا وفي اليوم الثالث مات وهكذا ناداه ثراها الحبيب الرطيب ليضمّه تحت جوانحه ويؤويه مع من آوى قبله من الرفاق المباركين، والشهداء الصالحين .