الدكرورى يكتب نبي الله إبراهيم عليه السلام ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إبراهيم عليه السلام ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع نبي الله إبراهيم عليه السلام، فعندها قال له إبراهيم، سلام عليك أي لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيرا فقال سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا، وقال ابن عباس وغيره أي لطيفا يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ولهذا قال وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام، كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وكما قال الله تعالى فى سورة التوبة ” وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم” وعن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة.
فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني، فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله تعالى له إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك، فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار ” رواه البخارى، وقال الله تعالى ” وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين” وهذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر، وإن جمهور أهل النسب ومنهم ابن عباس رضى الله عنهما الكل يجمع على أن اسم أبيه تارح، وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء، وقيل إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر، وقال ابن جرير والصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان أو أحدهما لقب، والآخر علم، وهذا الذي قاله محتمل، والله أعلم.
ثم قال الله تعالى فى سورة الأنعام ” وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم.
وقد بين لهم عليه السلام أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة تطلع تارة وتأفل أخرى فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولا عدم صلاحية الكوكب، وقد قيل أنه هو كوكب الزهرة لذلك ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة فصلت ” ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون”
ولهذا قال فلما رأى الشمس بازغة، أي طالعة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت” قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا، أي لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله فإنها لا تنفع شيئا ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة، والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كان يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيرا، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها، ولا سيما إذا خالفت الحق، وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام.