الدكرورى يكتب نبي الله إبراهيم عليه السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إبراهيم عليه السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع نبي الله إبراهيم عليه السلام، وقال ابن مسعود سمعه بعضهم، وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد فدعاه أبوه ليحضره، فقال إني سقيم كما قال الله تعالى” فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم” وقد عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم، ونصرة دين الله الحق في بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر، وأن تهان غاية الإهانة، فلما خرجوا إلى عيدهم، واستقر هو في بلدهم فراغ إلى آلهتهم أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعا من الأطعمة قربانا إليها، فقال لها على سبيل التهكم والازدراء ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر، فكسرها بقدوم في يده.
كما قال الله تعالى ” فجعلهم جذاذا” أي حطاما كسرها كلها إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، وقيل إنه وضع القدوم في يد الكبير إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار، فلما رجعوا من عيدهم، ووجدوا ما حل بمعبودهم قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم، وخبالهم من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أي يذكرها بالعيب، والتنقص لها، والازدراء بها فهو المقيم عليها، والكاسر لها، وعلى قول ابن مسعود أي يذكرهم بقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون”
أي في الملأ الأكبر على رءوس الأشهاد لعلهم يشهدون مقالته، ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه، وكان هذا أكبر مقاصد الخليل إبراهيم عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه، وذلك كما قال نبى الله موسى عليه السلام لفرعون ” موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى” فلما اجتمعوا وجاءوا به كما ذكروا قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا، وقيل معناه هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول فاسألوهم إن كانوا ينطقون وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول أن هذه لا تنطق فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا إنكم أنتم الظالمون
أي في تركها لا حافظ لها، ولا حارس عندها ثم نكسوا على رءوسهم، وقال السدي أي ثم رجعوا إلى الفتنة فعلى هذا يكون قوله إنكم أنتم الظالمون، أي في عبادتها وقال قتادة أدركت القوم حيرة سوء أي فأطرقوا، ثم قالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون وكما قال فأقبلوا إليه يزفون وقال مجاهد يسرعون، قال أتعبدون ما تنحتون، أي كيف تعبدون أصناما أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون والله خلقكم وما تعملون ؟ وسواء كانت ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون وهذه الأصنام مخلوقة، فكيف يعبد مخلوق مخلوقا مثله.
فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم، وهذا باطل فالآخر باطل للتحكم إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له، قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا ولم تبق لهم حجة ولا شبهة، إلى استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه، وكما قال الله تعالى ” قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين” وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم.