واشنطن على خط المفاوضات المباشرة مع «حماس»… هل تغيرت آليات الوساطة؟
أثار انتقال الولايات المتحدة إلى التفاوض المباشر مع «حماس»، وفق ما أُعلن، تفاؤلاً بإمكانية حلحلة ملف مفاوضات تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، ودفعه إلى الأمام قبل أن يأتي تصريح مباغت من الرئيس دونالد ترمب ليربك عملية التفاوض.
وبينما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الأربعاء، أن مسؤولين أميركيين أجروا «محادثات ومناقشات مستمرة» مع مسؤولي «حماس» في الوقت الذي لا يزال فيه وقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة الفلسطينية معلَّقاً، قال مصدر عربي مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن الوسيطين المصري والقطري يركزان جهودهما على النطاق الأوسع الخاص بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية منه، وإن أي سياقات أخرى «لا تعنيهما».
ليفيت قالت إنه جرى التشاور مع إسرائيل بشأن التعامل المباشر مع مسؤولي «حماس».
لكن تقارير صحافية أفادت بأن إسرائيل لم تتلقَّ إخطاراً مسبقاً من إدارة ترمب بأنها ستُجري محادثات مباشرة مع مسؤولي «حماس»، وفقاً لما قاله مسؤول إسرائيلي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، الخميس، وهو ما يتنافى مع إعلان مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن المسؤول قوله إن إسرائيل عرفت بالمحادثات من خلال «قنوات أخرى».
وكانت إسرائيل قد أكدت، الأربعاء، أن واشنطن تشاورت معها في شأن اتصالات مباشرة مع «حماس». وقال مكتب نتنياهو في بيان مقتضب بعد إعلان البيت الأبيض عن وجود اتصالات مباشرة مع «حماس»: «خلال مشاورات مع الولايات المتحدة، أعطت إسرائيل رأيها بشأن محادثات مباشرة مع (حماس)».
جاء ذلك بعدما نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، في وقت سابق الأربعاء، عن مصدرين مطّلعين أن إدارة ترمب تُجري محادثات مباشرة مع «حماس» بشأن إطلاق سراح الرهائن الأميركيين المحتجَزين في غزة، وإمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع لإنهاء الحرب.
وتُعد المباحثات التي أجراها المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون الرهائن، آدم بولر، غير مسبوقة؛ إذ لم تنخرط الولايات المتحدة من قبل بشكل مباشر مع «حماس»، التي صنفتها واشنطن منظمة إرهابية عام 1997.
وأكد قيادي في حركة «حماس» أن الجانب الأميركي طلب خلال المحادثات التي جرت في الدوحة قبل أسبوعين، الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين من حملة الجنسية الأميركية، «خاصة الأحياء منهم».
وأضاف القيادي أن الحركة لم تمانع من تحقيق الطلب الأميركي، «شريطة أن تضغط واشنطن أولاً على إسرائيل وتُلزمها بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم بوساطة مصرية – قطرية ورعاية أميركية، والانتقال لتنفيذ المرحلة الثانية منه، تمهيداً للوصول لحل دائم للقضية الفلسطينية بما يضمن تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني».
وأشار المصدر إلى أن الوفد الأميركي وعد بنقل مطالب الحركة إلى إدارة ترمب، لكن الحركة فوجئت بتصريح الرئيس الأميركي الذي توعد فيه «حماس» والشعب الفلسطيني في غزة بالجحيم إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن وإبعاد قادة «حماس» من القطاع، «وهو ما عقَّد الموقف وجعل الحركة غير متحمسة للتعويل على المفاوضات المباشرة مع الإدارة الأميركية، بل لم تعلن شيئاً عنها في أي بيان رسمي».
ووجَّه ترمب، مساء الأربعاء، تهديداً مباشراً لحركة «حماس» عبر منصته الخاصة «تروث سوشيال»، مطالباً بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وإعادة جثث القتلى، محذراً من «عواقب وخيمة» في حال عدم الامتثال، كما هدد أهل غزة بالموت إذا لم يُطلق سراح الرهائن.
رد «غير متوقع» من «حماس»
وقال القيادي في «حماس» الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»: «لم يتوقع ترمب على ما يبدو رد (حماس) وغضب منه، وكان يتصور تنفيذ مطالبه دون شرط أو قيد، وكأن مكسب الحركة فقط أن تتعامل مباشرة مع الولايات المتحدة».
من جانبه، قال الخبير الاستراتيجي المصري سمير راغب لـ«الشرق الأوسط»، إن إجراء الولايات المتحدة مباحثات مباشرة مع «حماس» لا يؤثر إطلاقاً على دور الوسيطين مصر وقطر؛ «لأنهما الأساس في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بين حماس وإسرائيل».
وأضاف: «الولايات المتحدة أرادت أن تتفاوض بشأن رهائنها، فاتخذت مساراً سريعاً لتحقيق مصلحتها، ولكنها اصطدمت بمطالب رئيسية من (حماس) تعيدها للمسار الأساسي، وهو تنفيذ وقف إطلاق النار الذي لا بديل عنه».
وقال رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، العميد خالد عكاشة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن المباحثات التي جرت بين «حماس» والولايات المتحدة كانت بعلم الوسطاء في مصر وقطر، وإن البلدين لا يمانعان من أي خطوات تحلحل الموقف، «خاصة مع تملص إسرائيل من التزاماتها وتسببها في تعليق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».
هاجم المدير العام لفرع حركة يهودية أميركية سياسة الحكومة الإسرائيلية، واتهمها بتخريب جهود تهدئة الأوضاع بالمنطقة.
الأميركي اليهودي «جي. ستريت» في إسرائيل، نداف تمير، سياسة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واتهمها بتخريب جهود تهدئة الأوضاع في المنطقة، واعتبر أهدافها الحربية وهمية، وادعاءاتها السياسية كاذبة، وأن ما تريده اليوم هو إجهاض التسوية السياسية.
وقال تمير: «منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) وحكومة نتنياهو تبيع لنا وهم (النصر المطلق). أما عملياً، فلا توجد خطة حقيقية لهزيمة (حماس)؛ لأن فكرة غزة من دون (حماس)، تحت حكم سلطة فلسطينية متجددة، وبدعم إقليمي، تهدد نتنياهو أكثر من أي شيء آخر».
وأضاف: «(حماس) أيضاً تعرف أنه في اللحظة التي تدخل فيها إلى غزة قوة عربية – فلسطينية أخرى، فإنها ستفقد قبضتها، ليس فقط في الحكم، بل أيضاً في أوساط الجمهور الفلسطيني في غزة الذي ينتظر اللحظة التي يتمكن فيها من التحرر من قبضة الخنق الهدامة لـ(حماس). هكذا نشأ حلف يائسين، ثمنه يدفعه المخطوفون، والمواطنون والجنود».
وقال تمير لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية إن «المحتجزين في غزة ليسوا على رأس اهتمام نتنياهو، بل تخوفه من كل تغيير سياسي من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك حكومته».
وأشار إلى أن نتنياهو يتبع نفس النهج على مر السنين: حين يكون هناك وقف لإطلاق النار، يبذل كل ما في وسعه كي يمنع الانتقال إلى مسيرة سياسية. وعندما تكون هناك حرب، يتحدث عن «الحسم» الذي لا يمكن تحقيقه.
ومضى قائلاً: «كان يمكن لإسرائيل أن تختار شيئاً آخر. كان يمكن إدخال كيان فلسطيني بالتنسيق مع الدول العربية المعتدلة، وخلق آلية حكم جديدة في غزة. لكن كي يحصل هذا، كان يتعين على الحكومة أن تدير مسيرة سياسية حقيقية؛ مسيرة لن يسمح نتنياهو بها أبداً؛ لأنها ستدمر الأساس الآيديولوجي لحكمه في العقود الأخيرة: إضعاف السلطة الفلسطينية، ومحو الخط الأخضر، وضم فعلي للضفة الغربية».
«خلق واقع جديد»
وفند تمير ادعاءات نتنياهو حول حركة «حماس»، فقال إن الحركة «ستنجو ما دامت لا توجد قوة أخرى قادرة على أن تحكم في غزة. وكي تكون هناك قوة كهذه، على إسرائيل أن تتوقف عن العمل باندفاع عسكري، وتبدأ ببلورة رؤية سياسية، والتعاون مع السلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة، مما سيؤدي إلى إقامة آلية حكم مدنية – أمنية يمكنها أن تدير غزة في (اليوم التالي). هذا هو الحل الوحيد الذي لن يؤدي إلى جولة دموية أخرى في غضون بضع سنوات».
وتابع: «على إسرائيل أن تعود إلى طاولة المباحثات مع الدول العربية المعتدلة، بالضبط مثلما حصل في فترة (اتفاقات إبراهيم). غير أن هذه المرة ينبغي أن تتضمن خطوة كهذه السلطة الفلسطينية، مع آليات تضمن أن تصبح هيئة فاعلة أكثر. ما دامت غزة تعيش تحت (حماس)، فإنها ستبث رسالة واحدة إلى العالم: نحن المقاتلون ضد الاحتلال الصهيوني».
واستطرد قائلاً: «الطريق إلى تغيير هذا لا يكون بمزيد من القصف، بل بخلق واقع جديد على الأرض: بنى تحتية، واقتصاد، ومستقبل آخر لسكان غزة».
واختتم مسؤول اليسار الأميركي اليهودي قائلاً: «من يتحدث اليوم عن (تصفية حماس) في الوقت الذي يتآمر فيه طوال الوقت من أجل خلق حكم بديل في غزة، يكذب بوقاحة. إسرائيل تحت حكم نتنياهو لن تهزم (حماس)، بل إنه يستخدمها».
وأكد: «الطريق الوحيد للتحرر من دائرة الدم هو التوقف عن إدارة النزاع، والعمل بشكل يخلق واقعاً لا تعود فيه (حماس) لتكون جهة ذات صلة. ليس مؤكداً أن هذا يمكن أن يحصل تحت قيادة نتنياهو».