الجزء الخامس مع راحيل أم يوسف عليه السلام

الدكرورى يكتب عن راحيل أم يوسف عليه السلام ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع راحيل أم يوسف عليه السلام، وحينما وضعت راحيل ابنها الأول يوسف عليه السلام وكان يعقوب غائبا نحو الشام فنزل عليه جبريل وقال يا يعقوب إن الله تعالى وهبك ولدا لم يرزق مثله أحدا من الناس، فذبح ألف رأس من الغنم قربانا لله وشكرا على هبة يوسف له وقام بتوزيعها على الفقراء والمساكين، وقيل إن بعضا من مظاهر السعادة التي كان يحس بها نبى الله يعقوب سرعان ما اختفت ملامحها على وجهه، ذلك لأنه كان يعلم عن إخوة يوسف كراهيتهم له، وحقدهم عليه، لما يستأثر به هو وأخوه بنيامين من عطف أبيهما دونهم، وكثيرا ما حاولوا أن يصرفوا أباهم عن هذا الأمر، لكن قلبه لم يطاوعه، لأن راحيل أمهما كانت أقرب وأحب زوجاته إليه.

 

وإذا كان الله قد شاء أن تنتهي حياتها، وهي تضع ولدها بنيامين، فقد كان على يعقوب أن يكون لابنيها الأب والأم معا، فإنه لا يستطيع أن يمسك قلبه عن هذا الحب، فإحساس القلوب لا يملكه أحد، وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف أنه تزوج نبى الله إسحاق عليه السلام رفقا بنت نامور، وهي بنت عمه، فولدت له عيصو ويعقوب توأمين، ولما تقدم بإسحاق السن ورق جلده شكا يعقوب عليه السلام أخاه عيصو إلى والده، وقال يا أبت إني أشكو إليك عيصو أخي، وأستنصرك على توعده وتهديده، فإنه منذ رفعتني بعين رعايتك ودعوت لآلي بالبركة وتنبأت لي بنسل طيب وملك موروث وعيش لين حسدني لهذه الدعوات وحقد علي، وأنكر العلامة التي توسمتها فيّ، فراح ينالني بقارص كلامه، ويتوعدني ويهددني.

 

حتى زال ما بيني وبينه من ود، وتقطع ما كان يجمعنا من رحم، ثم هو فوق ذلك كله يفاخرني بامرأتيه هاتين اللتين تزوج بهما من كنعان، ويكاثرني بما يرتقبه من أولاد يضيقون عليّ الرزق، ويزحمونني بمناكبهم في الحياة، وقد شكوت إليك لتحكم بيني وبينه بما وهبك الله من رأي حكيم وحلم راجح، وقال نبى الله إسحاق وقد أهمه ما رأى من القطيعة بين الأخوين يا بني إنني كما ترى من هذه اللمة البيضاء ومعنى اللمة هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن والجبين المتغضن، والظهر المتقوس، أصبحت شيخا متهدما، خذلتني قوتي، ووقفت بي الأيام على ثنية الوادع، وإنه يوشك أن يوفيني الأجل ويقطع ما بيني وبين الحياة من أسباب، ولا آمن عليك بعدي، أن يعالنك، أي يصارحك أخوك بالعداوة.

 

ويحسر لك اللثام عن بطش وكيد، وهو في منعة من شدة أسره وهو الخلق القوي، وقوة خلقه، وفي حرز من أصهاره وذوي قرباه، وما أرى إلا أن تزمع رحيلا إلى فدان آرام من أرض العراق، حيث خالك لابان بن بتويل، فابن على إحدى بناته، أي تزوجها، فإنك تنال العز والشرف والمجد والمنعة، ثم عُد بعدها إلى هذه الأرض، وإنني لأرجو لك عيشا أخفض من عيش أخيك، أي أفضل، ونسلا طاهرا خيرا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه ويحفظك برعايته، وهذه الكلمات وقعت في نفس يعقوب عليه السلام من أبيه إسحاق عليه السلام أندى من الماء البارد على فؤاد مُحتر، وجد فيها متنفسا لصدره، ونزعت نفسه إلى منبت الأهل وبلد الآباء والأجداد، فاستودع أبويه بدموع ثخينة.

 

وشيعاه بدعوات طيبة كريمة، وخرج مخترقا الصحراء، مسريا بالليل سائرا بالنهار، يرفعه نجد ويخفضه وخد، ولقاء خاله نصب عينيه، وكلمات أبيه ملء سمعه وبصره، وعناية الله ترمقه وترعاه، وكان كلما أتبعه السير وأضناه بُعد الشقة، تذكر الأمل الذي يرجوه والخير الذي يرتقبه، فيسهل الحزن وينقاد السير، وطلع يوم تحرقت سمائمه الريح الحارة، وهبت سوافيه ذرات الرمل، ورمت الشمس الأرض بسهامها المحماة، فشق على يعقوب السير، وبعدت أمامه الشقة، وتلفّت أمامه فإذا بصحراء ممتدة إلى حيث ينتهي البصر، ورمال لا معالم بها، فأدركه السأم، وأحس بالتعب، ووقف ساعة بين الإحجام والإقدام، أيواصل السير أم يؤثر العافية والراحة على هذا السفر الشاق ويقنع من الغنيمة بالإيمان؟