عمر بن عبد العزيز ” جزء 3″ 

الدكرورى يتكلم عن عمر بن عبد العزيز ” جزء 3″ 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

عمر بن عبد العزيز ” جزء 3″

ونكمل الجزء الثالث مع عمر بن عبد العزيز، وضم أمواله وأموال زوجته فاطمة بنت عبدالملك بن مروان وجهازها إلى بيت مال المسلمين، حتى إنه رد فص خاتم كان فى يده، أعطاه له الوليد بن عبدالملك، وزهد فى المال العام وخرج من جميع ما كان فيه من النعيم فى الملبس والمأكل والمتاع، قبل توليه الخلافة حيث كان قبلها من أكثر الأمويين رفاهة وأناقة وكان دخله فى كل سنة أربعين ألف دينار، وترك ذلك كله بعد أن أصبح خليفة المسلمين ولم يبق له دخل سوى أربعمائة دينار فى كل سنة، وكان عمر يصلي في يوم من الأيام وأخذ يبكي فبكت فاطمة فبكى الأطفال من شدة بكائهم وسمعه جيرانه فسألوه لما أبكيت أهلك؟ قال وقفت عند آية أبكتني، قالوا أي آية؟ قال الله عز وجل يقول” فريق في الجنة وفريق في السعير” ما أدري في أي الفريقين أكون.

ودخل والي على عمر فبدء عمر يسأله ماذا فعلتم؟ أين الخراج؟ وهكذا حتى انتهى فقال له يا أمير المؤمنين، إني الآن سائلك، قال عم تسألني؟ قال عن حياتك وأسرتك وبيتك؟ فقام فاطفأ السراج، فسأله الوالي لم؟ قال له هذا الزيت من بيت المال اسألك عن أمور المؤمنين فيحق لى أن أشعله، تسألني عني فلا يحق لي، وفي يوم من الأيام أرادت ابنته ثوبا فنادى خادمه وقال له أين الفرش الذي قطعناه؟ قال هاهو قال خذيه فاصنعي ثوبا، إن وراءنا حساب عسير يا بنية، وفي يوم قرء آية فبكى، وعاد للبيت سأله ابنه لم تبكي؟ قال ود أبوك لو أنه لم يعرف هذه الدنيا، وفي عهده جاءت عراقية دخلت على فاطمة فرأت السقا ينظر إلى فاطمة، فقالت لها مابال هذا السقا ينظر إليكي قالت لها إنه أمير المؤمنين عمر، وكما ترك عمر بن عبدالعزيز قصر الخلافة فى دمشق وعاد إلى بيته.

وجلس على الحصير، وأعرض عن ركوب مراكب الخلافة، وهى الخيول الحسان الجياد، وأمر أن تباع ويوضع ثمنها فى بيت المال، وكان له الكثير من الثياب فتركها، وأبقى لنفسه واحدا فقط، فكان يغسله يوم الجمعة وينتظره حتى يجف، وفي يوم من الأيام جاءته جاريته قالت له رأيت رؤيا، قال وما رأيتي؟ قالت رأيت أن القيامة قد قامت، فخاف عمر وقالت ورأيت أن جهنم قد برزت ورأيت الصراط قد ضرب على بابها، قال عمر ثم ماذا؟ قالت ورأيتك يا أمير المؤمنين فصاح عمر وأغمي عليه، وهي تقول قد نجوت قد نجوت، وهو أغمي عليه ولم يسمعها، كما كان يخدم نفسه بنفسه، ويأكل الغليظ من الطعام، ومن شدة ورعه وخشيته على المال العام خصص سراجا ” مصباحا ” يكتب عليه حوائجه، وسراجا لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين.

فلا يكتب على ضوئه لنفسه حرفا، وأخذ عمر بن عبدالعزيز أموال جماعة من بنى أمية وردها إلى بيت المال وسماها أموال المظالم، وفى الوقت نفسه ألغى المُكوس أي الضرائب الجائرة وكان من نتائج هذه السياسة فى الحفاظ على المال العام أن تدفقت الأموال إلى خزينة بيت المال من موارد الدولة المتنوعة التى حافظ الولاة عليها، ورغم تقشفه على نفسه وزهده فى المال العام فإنه كان يرعى حق كل مواطن فى هذا المال ويغدق عليه منه حتى تقوم الدولة بمسؤولياتها تجاه أفرادها، وتحسين أحوالهم المعيشية، فكتب إلى ولاته ليقضوا عن الغارمين ديونهم، وبلغ من حرصه على الرفق برعيته، واحترامه لحقوق الإنسان وخاصة ذوى الاحتياجات الخاصة أن جعل لكل أعمى قائدا يقوده ويخدمه، وخصص للمرضى والأيتام من يقوم بخدمتهم.

كما خصص رواتب للعلماء وطلاب العلم والمؤذنين، وفكّ رقاب الأسرى، وقدم الأعطيات للسجناء مع الطعام والشراب، وحمّل بيت المال تكاليف زواج مَن لا يملك نفقاته، وفى عهده عم الرخاء وفاض الخير فى بيت المال حتى كان المنادى ينادى كل يوم أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ واغتنى كل هؤلاء ولم تعد لهم حاجة إلى المال، حتى قيل عن عهده لقد أغنى عمر الناس، فلم يعد هناك من يقبل أخذ الصدقات، واهتم عمر بن عبدالعزيز حتى بالطير والحيوان، فأمر مسؤول بيت المال بشراء الحبوب ونثرها على رؤوس الجبال حتى تأكل الطير منها فلا يبقى جائع من بشر أو حيوان، ورغم كل ذلك كان عمر بن عبدالعزيز يرتجف من خشية الله خوفا من أن يكون مقصرا فى حق رعيته.