تقرير:الهند تهدد بإشعال “حرب الأنهار” مع باكستان. ما لا تعرفه عن معاهدة “مياه نهر السند” ومن المتضرر الأكبر؟

تقرير:الهند تهدد بإشعال “حرب الأنهار” مع باكستان. ما لا تعرفه عن معاهدة “مياه نهر السند” ومن المتضرر الأكبر؟

قد بدأت الهند قرع طبول الحرب مع جارتها باكستان، إثر هجوم مسلح نفذته جماعة غير معروفة تدعى “مقاومة كشمير” على مقصد سياحي بارز، لكن الحرب ستكون على ما يبدو غير تقليدية بين البلدين.

 

وهددت الهند بتعليق مشاركتها في اتفاقية مهمة لتقاسم المياه، مع باكستان، وهو إجراء عقابي من شأنه أن يسبب دمارًا كبيرًا للزراعة والاقتصاد في البلاد، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.

 

تقول الصحيفة، إن هذه الخطوة جاءت بعد يوم من مقتل 26 مدنيًا كانوا يزورون موقعًا خلابًا في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، خلال الهجوم، وتدّعي الدولتان أحقيتهما في أجزاء من المنطقة المضطربة وتسيطران عليها.

 

ورغم أن الهند لم توجه أصابع الاتهام واللوم مباشرة إلى باكستان، إلا أنها أشارت إلى وجود “روابط حدودية” مع المهاجمين، وفق الصحيفة.

 

وسبق للهند أن هددت، في أوقات أخرى شهدت توترات متصاعدة، بالانسحاب من معاهدة “مياه نهر السند”، التي وقّعها البلدان عام 1960.

 

وإذا التزمت الهند بوعدها هذه المرة، فقد تُقيّد تدفق المياه المُستخدمة في معظم ريّ المحاصيل والاستهلاك البشري في باكستان.

 

وقالت حكومة باكستان، التي تمثل الزراعة ربع اقتصادها، يوم الخميس، إنها ستعتبر أي عرقلة للملاحة “عملاً حربياً”.

 

أما الهند، الأكبر والأكثر تطوراً، فلن تخسر كثيراً إذا انسحبت من الاتفاقية، رغم أنها قد تواجه انتقادات من المجتمع الدولي.

 

ما معاهدة نهر السند؟ تعرف معاهدة “مياه نهر السند” بأنها اتفاقية بين الهند وباكستان تُحدد كيفية استخدام مياه 6 أنهار وروافدها، من قِبل البلدين.

 

وأصبحت الاتفاقية ضرورية بعد عام 1947، حين أصبحت الهند وباكستان دولتين مستقلتين، رغم أن التفاوض استغرق عقدًا من الزمن.

 

ووُقِّعت الاتفاقية عام 1960، بوساطة البنك الدولي، وحددت حقوق والتزامات البلدين بشأن الاستخدام العادل للمياه المتدفقة في نهر السند.

 

وتتمتع الهند بالاستخدام غير المقيد لمياه الأنهار الثلاثة الشرقية: “رافي”، “سوتليج”، و”بياس”، والتي يتدفق اثنان منها بعد ذلك إلى باكستان.

 

وتسيطر باكستان على 3 أنهار هي “السند”، “تشيناب”، و”جيلوم”، المعروفة باسم “الأنهار الغربية”، والتي تمر عبر الأراضي الخاضعة للسيطرة الهندية، ولكنها توجد بشكل أساسي في باكستان.

 

وتلزم المعاهدة الهند بالسماح لمياه تلك الأنهار بالتدفق بحرية إلى باكستان “لاستخدامها غير المقيد”.

 

لعقود من الزمن، حظيت المعاهدة بإشادة واسعة باعتبارها إنجازًا تاريخيًا يُمكن أن يُحتذى به في حل النزاعات الدولية على المياه.

 

لكن في العقد الماضي، هددت الهند باستخدام المعاهدة كسلاح خلال صراعاتها مع باكستان.

 

فبعد أن هاجم مسلحون باكستانيون قاعدة للجيش الهندي في مدينة “أوري” الكشميرية عام 2016، صرّح رئيس وزراء الهند ناريندا مودي لمسؤولي المعاهدة بأن “الدم والماء لا يجتمعان”.

 

وفي عام 2019، هدد مسؤولون حكوميون هنود بتحويل مجرى الأنهار الشرقية بعيدًا عن باكستان بعد تفجير انتحاري أودى بحياة العشرات من قوات الأمن الهندية في كشمير.

 

ماذا يعني انسحاب الهند لباكستان؟ سيضع انسحاب الهند من المعاهدة باكستان في موقف صعب. فالبلاد تعاني من جفاف حاد، ويعود ذلك جزئيًا إلى الظواهر الجوية المتطرفة.

 

والشهر الماضي، حذرت “هيئة تنظيم المياه” من أن “البنجاب” و”السند”، وهما المحافظتان الزراعيتان الرئيسيتان في باكستان، قد تواجهان بالفعل نقصاً في المياه يصل إلى 35% خلال المرحلة الأخيرة من موسم المحاصيل الحالي.

 

وقال نصير ميمون، محلل السياسات المتخصص في حوكمة المياه من إسلام آباد، إن “الأمطار الموسمية القادمة تحمل مخاطر على باكستان، إذ قد تختار الهند تصريف فائض المياه من الأنهار الشرقية دون إشعار مسبق، مما قد يؤدي إلى فيضانات”.

 

وأضاف ميمون أنه إذا قررت الهند حجب البيانات الهيدرولوجية، مثل توقيت الرياح الموسمية والفيضانات، فإن عدم القدرة على التنبؤ قد يضر بالمزارعين الصغار.

 

هل تتأثر الهند بقرارها؟ يتوقع أن تسجل حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي نقاطاً محلية بهذه الخطوة، في حين من المرجح أن يرى المجتمع الدولي الأمر على أنه ليس أكثر من جانب آخر من جوانب التوتر بين عدوين منذ فترة طويلة، بحسب بعض المحللين.

 

وقال هابيمان جاكوب، الأستاذ المشارك للدبلوماسية ونزع السلاح في جامعة جواهر لال نهرو: “هذا إجراء ذكي وشعبي”، حسب وصفه.

 

وأضاف: “المجتمع الدولي سيشعر بقلق أكبر إذا تصاعدت التوترات الحدودية وتحولت إلى صراع مسلح. لذا، ليس لدى الهند ما تخسره دوليًا” بتعليق معاهدة المياه.

 

وبحسب “نيويورك تايمز”، يرى بعض المحللين أن هناك فرصة أمام باكستان للسعي إلى نتيجة أفضل من خلال تصوير الأمر باعتباره مسألة تتعلق بالقانون الدولي.

 

من جهته، قال أنور سادات، الأستاذ المساعد الأول في “الجمعية الهندية للقانون الدولي”: “لا ينبغي لك أن تسبب ضرراً كبيراً لدولة أخرى – وهذا هو القانون الدولي العرفي الملزم لجميع البلدان”.

 

بدوره، قال خبير علم المياه حسن عباس إن “باكستان انتهكت فعلياً حقوق الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة أسفل النهر من خلال التوقيع على معاهدة عام 1960”.

 

وأضاف: “تُمثل تصرفات الهند الأخيرة فرصةً استراتيجيةً لباكستان لإحالة القضية إلى لاهاي. وبتوضيح موقفها بشكل أكثر حزمًا، يُمكن لباكستان أن تسعى إلى مراجعة شاملة للمعاهدة، مما قد يُعيدها إلى حصتها المشروعة من موارد المياه”.

 

وتصاعدت المشاعر المعادية للهند بسرعة في باكستان يوم الخميس، وتمثل ذلك في كلمة ألقاها أمام متظاهرين في لاهور، هاريس دار زعيم حزب سياسي إسلامي، إن الهند “أعلنت الحرب فعليًا” على باكستان، مضيفاً: “هذا إرهاب مائي هندي”.

السد التي تهدد الهند بغلقة لمنع وصول المياه إلى باكستان.