الدكرورى يكتب عن السيدة أم شريك الأنصارية ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
السيدة أم شريك الأنصارية ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة أم شريك الأنصارية، وقد عقدت العزم على نصرة دين الله، وحملت هم الدعوة إليه، فأصبحت تفد على نساء مكة المكرمة، وتدعوهن في سرّية إلى الاسلام، حتى وُشي بها واكتشف الكفار أمرها، فاستطارت جنان عقولهم، وكادوا يقتلونها، لولا تحالفهم مع قومها، لكنها بقيت ثابتة على دينها مشيحة بوجهها عن دعوتهم لها لترك الإسلام، وتروي عن نفسها رضي الله عنها كما جاء في الطبقات لابن سعد فتقول “جاءني أهل أبي العكر فقالوا لعلك على دينه، فقلت إي والله، إني لعلى دينه، فقالوا لا جرم لنعذبنك عذابا شديدا، تقول فارتحلوا بنا من دارنا وكنا بذي الخلصة وهو موضعنا، فساروا يريدون منزلا فحملوني على جمل ثقال شر ركابهم.
وأغلظهم، يطعموني الخبز بالعسل، ولا يسقونني قطرة ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس ونحن قائضون، نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، ففعلوا ذلك بي ثلاثة أيام، فقالوا لي في اليوم الثالث اتركي ما أنت عليه، قالت فما دريت ما يقولونه إلا الكلمة بعد الكلمة، فأشير بأصبعي إلى السماء بالتوحيد، فوالله إنّي لعلى ذلك وقد بلغني الجهد، إذ وجدت برد دلو على صدري فأخذته، فشربت منه نفسا واحدا ثم انتزع مني، فذهبت أنظر فإذا هو معلق بين السماء والأرض، فلم أقدر عليه ثم دُلي إليّ ثانية فشربت منه نفسا ثم رفع، فذهبت أنظر فإذا هو بين السماء والأرض.
ثم دُليّ إليّ مرة ثالثة، فشربت منه حتى رويت وأهرقت على رأسي ووجهي وثيابي، قالت فخرجوا فنظروا وقالوا من أين لك هذا يا عدوة الله؟ قالت فقلت إن عدو الله غيري من خالف دينه، وأما قولكم من أين هذا، رزقا رزقنيه الله، فانطلقوا سراعا إلى قربهم وأدواهم فوجدوها موكأة لم تحل، فقالوا نشهد أن ربك هو ربنا، وأن الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع، بعد أن فعلنا بك ما فعلنا، هو الذي شرع الإسلام، فها هي أم شريك بصبرها وثباتها، تعضدها يد الله وتسقيها من ماء السماء، فتقذف الرعب في قلوب الكافرين بعدتهم وتعدادهم، وتجبرتهم على الإقرار بدين الحق بعد مكابرة وتجبّر.
والإلتحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد قيل أنها أقبلت أم شريك إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ووهبت نفسها له بغير مهر، فقبلها ودخل عليها، فلما رأى عليها كبرة طلقها، وقيل أنها هاجرت أم شريك الدوسية، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فلقيت رجلا من اليهود، فقال ما لك يا أم شريك؟ قالت أطلب من يصحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالي فأنا أصحبك، فصحبت يهوديا في الطريق، فأمست صائمة، فقال اليهودي لامرأته لئن سقيتها لأفعلن.
فباتت كذلك حتى إذا كان في آخر الليل إذا على صدرها دلو موضوع، وصفن، والصّفن، مثل الجراب أو المزود، فشربت، ثم بعثتهم للدلجة، فقال اليهودي إني لأسمع صوت امرأة، لقد شربت، فقالت لا والله أن سقتني، وكانت لها عكة تعيرها من أتاها فاستامها رجل فقالت ما فيها رُبّ، فنفختها فعلقتها في الشمس فإذا هي مملوءة سمنا، فكان يقال ومن آيات الله عكة أم شريك، وعن جابر، عن أم شريك أنها كانت عندها عكة تهدي فيها سمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فطلبها صبيانها ذات يوم سمنا فلم يكن فقامت إلى العكة لتنظر فإذا هي تسيل.
قال فصبّت لهم منه فأكلوا منه حينا ثم ذهبت تنظر ما بقي فصبته كله ففني، ثم أتت رسول الله فقال لها “أصببته؟ أما إنك لو لم تصبّيه لقام لك زمانا ” وفيما جاء في روايات أخرى أنه رفضها صلى الله عليه وسلم، فلم تتزوج حتى ماتت، وروى موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال كانت أم شريك من بني عامر بن لؤي معيصية وهبت نفسها للنبي صلي الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت، رضي الله عنها وأرضاها وجعل الفردوس مثواها.