الدكرورى يكتب عن أسماء بنت أبى بكر الصديق ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
أسماء بنت أبى بكر الصديق ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق، وفي أحد الأيام وبينما كانت السيده أسماء رضى الله عنها نائمة، أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه، سألها عن والدها، فأجابت إنها لا تعرف عنه شيئا فلطمها لطمة على وجهها طرحت منه قرطها، وكانت السيده أسماء بنت أبي بكر حاملا فى عبد الله بن الزبير، وكانت وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ قباء عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمل المولود الأول إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقبّله وحنّكه .
فكان أول ما دخل عبد الله بن الزبير هو ريق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين، وفي خلافة ابنها عبد الله أميرا للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن الكعبة فقال إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق، حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة أم المؤمنين ” لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، فأزيد في الكعبة من الحجر ” فذهب عبد الله بن الزبير بعدها وأمر بحفر الأساس القديم، وجعل لها بابين، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح ابنها ليعمل بأمر الله ورسوله .
وقيل أنه طلقها الزبير وأخذ عروة وهو يومئذ صغير، واختلفوا في سبب طلاقها، فقيل إن عبد الله قال لأبيه مثلي لا توطأ أمه، فطلقها، وقيل إن الزبير ضربها فصاحت بابنها عبد الله، فأقبل إليها، فلما رآه أبوه قال أمك طالق إن دخلت، فقال عبد الله أتجعل أمي عرضة ليمينك؟ فدخل فخلصها منه، وظلت من بعد ذلك عند ابنها عبد الله بن الزبير، وقيل بل اختصمت هي والزبير، فجاء عبد الله ليصلح بينهما، فقال الزبير إن دخلت فهي طالق، فدخلت فبانت، وكانت السيدة أسماء رضي الله عنها امرأة سخية كريمة، وقال ابنها عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه “ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء رضي الله عنهما، وجودهما مختلف، أما عائشة رضى الله عنها، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئا لغدا .
وقيل إنه بعدما اشتدت الأزمة على ابن الزبير، قد ذهب إلى أمه أسماء، وقد كبرت فى السن وفقدت بصرها، وشكا خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبقي معه إلا اليسير، ولم يبقي لهم صبر ساعة، والقوم، ويقصد الأمويين، يعطونه ما شاء من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت يا بنى، أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك، يلعب بها غلمان بنى أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق فما وهن الدين، وإلى كم خلودكم فى الدنيا؟ القتل أحسن، فدنا منها، فقبل رأسها .
كما كانت شجاعة كريمة النفس، فلما كثر اللصوص بالمدينة زمن سعيد بن العاص رضي الله عنه، اتخذت خنجرا، كانت تجعله تحت رأسها، وحين تعرض ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه للحصار بعدما دعا لنفسه بالخلافة، قالت له “يا بني، عش كريما، ومُت كريما، لا يأخذك القوم أسيرا ” وقد كانت في هذا الوقت في سن كبيرة جدا حوالي مائة سنة، ولكنها ظلت محتفظة بطباعها القوية، وكرامتها الأبية، وقال ابنها عروة رضي الله عنه “دخلت أنا وأخي،عبد الله قبل أن يقتل على أمّنا بعشر ليالي، وهي وجعة، فقال عبد الله كيف تجدينك؟ قالت وجعة، قال إن في الموت لعافية، قالت لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت والله، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك، إما أن تقتل فأحتسبك وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تعرض على خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت، فقال عروة، وإنما عنى أخي أن يقتل فيحزنها ذلك، وكانت بنت مائة سنة “.
وحين واجهت الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن قتل ابنها عبد الله رضي الله عنه، واجهته بقوة وصلابة، فقد دخلت مكة وهو مصلوب، فجاءت وهي عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج أما آن للراكب أن ينزل ، فقال المنافق، قالت، والله ما كان منافقا، كان صواما، قواما بارا، فقال انصرفي يا عجوز، فقد خرفت، قالت لا، والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” في ثقيف كذاب ومبير ” ومعنى مبير، أي مهلك يسرف في إهلاك الناس، وفي رواية أنه ذهب إليها لتأخذ ابنها فأبت أن تذهب، فهددها فلم تستجب، فذهب إليها فقالت له بعد كلام، فقالت، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ” أن في ثقيف كذاب ومبير” فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، فقام عنها ولم يراجعها، وكانت السيدة أسماء قد طلقها الزبير رضي الله عنه، فعاشت حياتها حتى وافتها المنية، تتحمل الأحداث الجسام، راضية بقضاء الله، وقد توفيت سنة ثلاثه وسبعين هجريه رضي الله عنها وأرضاها.
وكانت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أبردوها بالماء، فإنها من فيح جهنم” وقد شهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها موقعة اليرموك مع ابنها وزوجها، وعن أسماء قالت أتيت عائشة وهي تصلي فقلت ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء فإذا الناس قيام فقالت سبحان الله قلت، آية، فأشارت برأسها أي نعم فقمت حتى تجلاني الغشي فجعلت أصب على رأسي الماء فحمد النبي صلي الله عليه وسلم الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال ” ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم “.
وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم قام، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع، فسجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم انصرف ” رواه البخاري .