الدكرورى يكتب عن عُبادة بن الصامت الخزرجي ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع عُبادة بن الصامت الخزرجي، وروى أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطَارة وهو بالشام، تحمل الخمر، فقال ما هذه؟ أزيت؟ قيل لا، بل خمر يباع لفلان، فأخذ شفرة من السوقِ، فقام إِليها، فلم يذر فيها رأوية إِلا بقَرها، وأبو هريرة إِذ ذاك بالشام فأرسل فلان إِلى أبي هريرة، فقال ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات، فيغدو إِلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي، فيقعد في المسجد ليس له عمل إِلا شتم أعراضنا وعيبنا، قال فأتاه أبو هريرة رضى الله عنه، فقال يا عبادة، ما لك ولمعاوية؟ ذره وما حُمِّل، فقال لم تكن معنا إِذ بايعنا على السمع والطاعة، والأمر بالمعروف، والنهي عنِ المنكر، وألا يأخذنا في الله لومة لائم.
فسكت أبو هريرة رضى الله عنهما، وروى أن عبادة بن الصامت مر بقرية دُمَّر، فأمر غلامه أن يقطع له سواكا من صفصاف على نهر بردى، فمضى ليفعل، ثم قال له ارجع، فإِنه إِن لا يكن بثمن، فإِنه ييبس، فيعود حطبا بثمن، وروى عن عبادة بن الصامت جمع من الصحابة منهم أبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وغيرهم، كما روى عنه عدد كبير من التابعين منهم عطاء بن يسار وأحفاده وهم كثير، وإن سيرة الصحابى الجليل عبادة بن الصامت من السير الملهمة التي تؤكد أنه قد قدم خدمات جليلة للإسلام والمسلمين فمنذ اللحظة الأولى التي أسلم فيها عمل على نشر دين الله تعالى والجهاد في سبيله تعالى وتعليم الناس القرآن الكريم وأحكام الإسلام.
فكان الصحابى عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، وهو صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر بالورع والزهد والتقوى، وقد كان واحدا من الأنصار الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، ولولا الهجرة لكنت من أمراء الأنصار” وقد شهد عبادة بن الصامت بيعة العقبة، وكان أحد النقباء الإثنى عشر، حيث جاء مع وفد الأنصار الأول إلى مكة المكرمة ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان من الذين سارعوا إلى اعتناق الإسلام، وحينما كان موعد الحج في العام التالي، جاء وفد الأنصار الثاني المكون من سبعين رجلا وامرأة ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيما عُرف ببيعة العقبة الثانية، وفي هذه البيعة كان عبادة بن الصامت أيضا من زعماء الوفد ونقباء الأنصار، وقد وحارب عبادة بن الصامت إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وأحد والخندق، وغيرها من غزوات رسول الله، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الصدقات، وكانت عائلته الصحابى الجليل عبادة بن الصامت، قبل إسلامه، مرتبطة مع يهود بني قينقاع بالمدينة بحلف قديم، ومنذ هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، ويهودها يتظاهرون بمسالمته، حتى كانت الأيام التي تلت غزوة بدر وسبقت غزوة أحد، فشرع اليهود يتآمرون، وافتعلوا أسبابا للفتنة على المسلمين، فبادر عبادة بنبذ عهدهم وحلفهم قائلا ” إنما أتولى الله ورسوله والمؤمنين”
وبعدها تنزل القرآن الكريم محييا موقفه وولاءه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل فى كتابة الكريم فى سورة المائده ” ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون” ومن هنا لم يظل الرجل الذي نزلت هذه الآية الكريمة تحيي موقفه وتشيد بولائه وإيمانه، مجرد نقيب الأنصار في المدينة، بل أصبح نقيبا من نقباء الدين، وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رفض أن يتولى سلطة، فلم يستطع الفاروق عمر أن يحمله على قبول منصب ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين، وفي سبيل ذلك سافر ألى الشام ثالث ثلاثة هو ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، حيث ملأوا البلاد علما وفقها ونورا، ثم سافر إلى فلسطين حيث ولي قضاءها بعض الوقت.