الجزء السادس مع عُبادة بن الصامت الخزرجي

الدكرورى يكتب عن عُبادة بن الصامت الخزرجي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع عُبادة بن الصامت الخزرجي، فلم يستطع الفاروق عمر أن يحمله على قبول منصب ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين، وفي سبيل ذلك سافر ألى الشام ثالث ثلاثة هو ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، حيث ملأوا البلاد علما وفقها ونورا، ثم سافر إلى فلسطين حيث ولي قضاءها بعض الوقت، وكان يحكمها باسم الخليفة آنذاك، معاوية بن أبي سفيان، وكان الصحابى الجليل عبادة بن الصامت فى فتح مصر، ودخول المسلمين فيها حتى وقفوا أمام حصن بابليون، ولقد عُرف القائد المسلم عمرو بن العاص، بخبرته العسكرية الكبيرة، ودهائه الاستراتيجى الكبير، وقد وضح ذلك فى فتح المسلمين لمصر.

وكان المقوقس حاكم مصر بعث إلى عمرو بن العاص رسلا، لينهاه عن دخول البلاد، واستمرار القتال، وقيل إن عمرو بن العاص حبس الرسل عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس، وتساءل فى أصحابه، أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك فى دينهم، وإنما أراد عمرو بن العاص بذلك أنهم يرون حال المسلمين، ورد عمرو بن العاص الرسل بعد ذلك، ومعهم ثلاثة شروط هى دخول الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال، فسأل المقوقس الرسل، كيف رأيتموهم؟ فقالوا له رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة.

 

فما كان من المقوقس أن طلب من عمرو بإرسال رسول له للتفاوض، ثم رغب المقوقس حاكم مصر، في التفاوض معهم فأرسل وفدا ليعلم ما يريدون، ثم طلب منهم أن يرسلوا إليه وفدا، فأرسل إليه عمرو بن العاص عشرة رجال من بينهم عبادة بن الصامت، وكان شديد السواد وطويلا، حتى قالوا إن طوله عشرة أشبارا، وأمره عمرو بن العاص، أن يتولى الكلام مع المقوقس، فلما دخلوا على المقوقس تقدمهم عبادة بن الصامت فهابه المقوقس لسواده، وقال لهم، نحّوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني، فقال رجال الوفد “إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا.

 

وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره، وأمرنا ألا نخالف رأيه وقوله” فقال لهم “وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟” فقال رجل من وفد عمرو بن العاص “كلا إنه وإن كان أسودا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا وأفضلنا سابقة وعقلا ورأيا، وليس ينكر السواد فينا” فقال المقوقس لعبادة بن الصامت “تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي أزددت لك هيبة، فقال الصحابى الجليل عبادة، وقد رأى فزع المقوقس من السواد “إن في جيشنا ألف أسود هم أشد سوادا مني” وبدأ بن الصامت حديثه إلى المقوقس.

 

موضحا أنه ترك خلفه ألفا من أصحابه فى مثل سواده وقوته وبنيانه، وليس لهم رغبة سوى الجهاد فى سبيل الله واتباع رضوانه، فقال المقوقس لأصحابه هل سمعتم من كلام الرجل قط، لقد هبت منظره وأن قوله لأهيب عندى من منظره، إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها، فوجه المقوقس حديثه لعباده وأخبره بأن الروم يعدون جيشا لا يحصى عدده، وأنهم أى المسلمين لن يطيقوا ذلك، وعرض عليه أن يصرف لكل رجل منهم دينارين ولأميرهم مائة دينار ولخليفتهم ألف دينار، قبل أن تأتى قوة الروم الكبيرة، فرد الصحابى الجليل، بأنهم على استعداد للقتال والتضحية من أجل رضوان الله تعالى وجنته.