الجزء السابع مع عُبادة بن الصامت الخزرجي

الدكرورى يكتب عن عُبادة بن الصامت الخزرجي ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع عُبادة بن الصامت الخزرجي، فرد الصحابى الجليل، بأنهم على استعداد للقتال والتضحية من أجل رضوان الله تعالى وجنته، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالا، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذى بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء.

 

وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله فى رضاء ربه وجهاد عدوه، وإن كم من فئة قليلة انتصرت بفضل الله، وليس أمامهم إلا الثلاث شروط التى وضعها عمرو بن العاص، لكن المقوقس رفض هو أصحابه بحجة أن تسليمهم يعنى الذل والعبودية، فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله، هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط ؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها.

 

ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال، أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار.

 

ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به، فخرج عبادة وأصحابه واستمر الحصار والقتال حتى توصل عمرو بن العاص مع المقوقس فيما بعد واتفق على دفع الجزية، فكان بداية للعهد الإسلامى فى البلاد، وقد تزوج عبادة بن الصامت من أم حرام بنت ملحان، والتي توفيت بقبرص وضريحها بالقرب من مسجد لارنكا الكبير، أما أخوه فهو أوس بن الصامت وهو زوج خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله تعالى فيها قوله تعالى فى سورة المجادلة ” قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير” وفى النهاية كما هى نهاية كل حى.

 

توفي الصحابى الجليل عبادة بن الصامت، سنة أربعة وثلاثون سنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مدينة الرملة بفلسطين، عن عمر ناهز الإثنين وسبعين عاما، وهكذا هى الدنيا ونهايتها فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الذي تعب من معاناته مع هؤلاء الداخلين حديثا، ومع المتآمرين، ومع المائلين للدنيا، فقد مدَّ يديه إلى السماء، ودعا الله عز وجل قائلا “اللهم كبُرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرط”