الدكرورى يكتب عن طاهر بن أبى هالة التميمي ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع طاهر بن أبى هالة التميمي، وهذه الظروف غرست فيها أخلاق الحنو والرعاية، والتضحية والحماية، مع الاستقلالية والجلد والحزم، فزادتها نضجا على نضج، وكمالا على كمال، كمال الجبلة والطبيعة البشرية التي فطرت عليها، وكمال الأخلاق والخلال التي نشأت عليها، كما هو حال في يتم النبي الكريم محمد صلى الله عليه صغيرا، واشتغاله برعاية الغنم، فهذه الأحوال من تربية الله عز وجل لأصفيائه، وتأهيلهم ليكونوا جنودا لدينه، وكأن الله عز وجل يعدها رضي الله عنها لمهمة جليلة لتكون أكمل زوجة لخير البشر، في قصة أعظم جهاد عرفته البشرية، رضى الله عنها، وأما الطاهر بن أبي هالة، فقال ابن الأثير رحمه الله طاهر بن أبي هالة.
هو أخو هند بن أبِي هالة الأسيدي التميمي، واسم أبى هالة هو النباش بن زرارة بن وفدان بن حبيب بن سلامة بن غوى بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم، وهو حليف بني عبد الدار بن قصي بن كلاب، وطاهر بن أبى هاله كانت أمه هى السيدة خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله، طاهر بن أبي هالة التميمي الأسدي، هو أخو هند، ربيب النبى صلى الله عليه وسلم، وكان أول من ارتد من أزد تهامة عكّ، فصار إليهم الطاهر فغلبهم، وأمنت الطرق، وسمّوا الأخابث، ولكن على المسلم الواعي الذي يحرص على ما ينفعه يبدأ بنفسه ويصلح ذاته، وكل ما لا يعنيه لا يغنيه، فقال صلى الله عليه وسلم “مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”
ومَن ترك ما لا يعنيه وانشغل بما يعنيه حَسن إسلامه، وتفرّغ لأولوياته، وارتقى بأعماله، وصفّى نفسه وأخلاقه ولسانه، بل يكون على نفسه رقيبا، ولسلوكه حارسا، ويتعامل مع نفسه بصدق وإنصاف، وإن النجاح في الحياة مطلب كل إنسان، والسعادة مقصده ومراده، وإليهما تسعى النفوس وتميل القلوب، وقد رسم لنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثلاثية النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بحديث غزير الفوائد، عظيم المنافع، بقوله صلى الله عليه وسلم ” احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز” فاحرص على ما ينفعك، احرص على السعي لمعالي الأهداف، وسامق الأخلاق، وأفضل العبادات، واجعل لحياتك هدفا، ولعمرك مقصدا، ولسيرك غاية عالية.
فاحرص على ما ينفعك فالحياة قصيرة، والشباب يعقبه الهرم، والصحة يهددها المرض، فقال ابن مسعود رضي الله عنه “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أَجلي ولم يزد فيه عملي” وإنه من حرص على ما ينفعه اشتغل بالمرابح القيّمة، والمغانم النفيسة، وأكثر الأعمال أجرا وأحبها إلى الله، ولهذا كان الصحابة يسألون عن أفضل الأعمال وأجلها، فقال رجل “يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال أن يسلم قلبك لله” أن يسلم قلبك لله عز وجل، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال”فأي الإسلام أفضل؟ قال الإيمان، قال وما الإيمان؟ قال تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال فأي الإيمان أفضل؟ قال الهجرة، قال فما الهجرة؟ قال تهجر السوء”
وهكذا فإن الحرص على ما ينفع يوجه الطاقات إلى البناء، ونماء الأرض، ويُورث الحياة بركة، ويزيد العمل رسوخا، ومهما كان الإنسان حريصا على ما ينفعه فإنه لن يتحقق له هدف ولا مقصد إلا إذا أعانه الله ووفقه وسدده، فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، فهو سبحانه، المستعان الذي يلجأ إليه كل الخلائق، اختيارا واضطرارا، وكل يستعين به في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، وكل إنسان في حاجة دائمة إلى عون الله، في كل أحواله، وفي كل أمور دينه ودنياه، فالاستعانة بالله، وسؤال الله العون على مرضاته من أنفع الدعاء، وأكثر ما تلهج به ألسنة المؤمنين وهذا التأكيد يظهر لنا، فلا تتم ركعة في صلاة دون ذكرها، وهو قول إياك نعبد وإياك نستعين ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أوصيك يا معاذ، لا تتدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول ” اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك”.