عجوز بني إسرائيل

الدكروري يكتب عن عجوز بني إسرائيل ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

عجوز بني إسرائيل

إن غفلة المرء عن استثمار الفرص المتاحة أمامه أو عدم مبادرته إلى اقتناصها قبل أن تزول يعود في الغالب إلى أمرين، وهو غياب الهدف، فالفرص هي مركب المرء وأداته لتحقيق أهدافه، فكيف يبحث عن مركب أو يقتني أداة من لا هدف لديه يسعى لتحقيقه ولا غاية؟ وأيضا السلبية وضعف الجدية والشعور المتدني بالمسؤولية تجاه النفس أو الأمة ، ومن ضعف الباعث لديه ولم يملك قلبا يحترق لإسعاد نفسه وإصلاح أمته امتطى بوابة التسويف والكسل وتوانى عن صعود الصعاب وتحمل مشاق ارتقاء المكاره، وإن كل فرصة في الخير فهي مغنم مهما صغر حجمها وقلّ وزنها، فاتقوا الله ولو بِشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة، ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرةشجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس” رواه مسلم، وإن من فضل الله عز وجل علينا أن جعل الفرص قائمة حتى آخر ساعة، فقال صلى الله عليه وسلم “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل” رواه أحمد، وإن الأنصار جاءوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلبوا أمرا دنيويا، وهذا طلب مشروع ولا غضاضة فيه، إلا أنهم لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر رأوا أمامهم فرصة أعظم وعطية أثمن ربما لا يتهيأ لهم مثلها في حياتهم، فكانت أمامهم فرصتان، فرصة تلبية طلبهم الذي جاءوا من أجله، وفرصة مغفرة الله لهم ورضاه عنهم ودخولهم الجنة، فماذا يفعلون ؟ إنهم لم يترددوا ولم يختلفوا ولم يتوانوا في انتهاز الفرصة وجني ثمرتها.

وذلك لعلمهم أن الدنيا متاع قليل وظل زائل، ولذا كانت اختياراتهم محسومة، فطلبوا من النبي صلي الله عليه وسلم أن يدعو لهم بالمغفرة، فدعا بالمغفرة لهم ولأبنائهم ولأبناء أبنائهم، وبذلك سعد هؤلاء وأولادهم سعادة لا شقاء بعدها أبدا، وهكذا المسلم الفطن يعلم أن الحياة فرصة فلابد أن تغتنم، وساعة مواتية فلا يصح أن تضيع هباء، وأن هناك فرصا لا يمكن تعويضها، فمن هذه الفرص العظيمة، هي وجود الوالدين، فالوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيعه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة” رواه مسلم ، فيا حسرة مَن مات والداه أو أحدهما ولم يغتنم فرصة برهما، فإن رضا الرب عز وجل في رضا الوالدين.

وسخط الرب في سخط الوالدين، وإن الهمم العالية كنوز غالية يمتن بها المنان على من يشاء من بني الإنسان، فطوبى لمن أولاه مولاه تلك الهمة العالية والعزيمة الوثابة والإرادة الماضية، فما آفة المحق إلا التردد والتذبذب، والتخاذل والفتور، والرضى بتوافه الأشياء ومحقرات الأمور، والمتتبع لنصوص الوحي الشريف، يرى كيف أن هذا الدين القويم يربي في قلوب أتباعه تلك الهمم لتصل بهم لعالي القمم ومعالي القيم، فإذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس الأعلى، فهل تأملت هذا الدرس؟ وربيت به النفس؟ فالفرصة إذا فاتت منك وتفلتت من بين يديك في غير عمل صالح فستندم ندما لا ينقطع ولقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أن الذي لا ينتهز فرصة الحياة ولا يغتنم أوقات النفحات ستصيبه الحسرات ولا ينفعه الندم قال تعالى.

” أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين تري العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين” وإن الحسرة هي الندامة الشديدة، فهذا الإنسان الذي لم ينتهز فرصة حياته وظل على تفريطه وتقصيره وتضييعه ندم ندما شديدا، وتحسر تحسرا عظيما على هذه الفرصة التي أضاعها ويريد حين عاين خسارته وتيقين من بوار نفسه أن تتهيأ له هذه الفرصة مرة أخرى حتى يحسن التعامل مع الحياة، ولكن هيهات، فكثير من الفرص قد لا تتكرر وقد لا تعوض أبدا، وقيل أنه مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بسوق المدينة، والناس مشغولون ببيعهم وشرائهم، فأراد أن يذكرهم بقيمة الدنيا وألا تلهيهم تجارتهم عن تجارة الآخرة، فمرّ بجدي أسكّ ميت، أي صغير الأذنين.