الدكروري يكتب عن أم البنين فاطمة بنت حزام
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أم البنين فاطمة بنت حزام
أم البنين هى السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة باسم أم البنين، وكانت أمها ثمامة بنت سهل بن عامر، وأم البنين فاطمة بنت حزام هي زوجة الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب والتي تزوجها بعد موت زوجته السيدة فاطمة الزهراء، بنت النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف المؤرخون أن تكون فاطمة الكلابية الزوجة الثانية لعلي بن أبي طالب فقيل إنها الثالثة أو الرابعة وتسبقها أمامة بنت أبي العاص وخولة بنت جعفر بن قيس الحنفية، وكان مهرها خمس مائة درهم، وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب، رضى الله عنه أنه تزوج بتسع نساء لم يكن على ذمته بآن واحد وقد كان له منهن سبع عشرة أنثى وأربعة عشر من الذكور.
واستمر نسله من الحسين والحسين وهم أولاده من السيدة فاطمة بنت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أولاده هو محمد بن الحنفية وهو من زوجته خولة بنت جعفر ومنهم العباس وهو ولده من زوجته أم البنين، وابنه الأخير هو عمر بن التغلبية وهو من زوجته أم حبيبة بنت ربيعة التغلبية، ومن نسائه أمامة بنت العاص بن الربيع وهي ابنة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن زوجاته أسماء بنت عميس وليلى بنت مسعود وأم سعيد بنت عروة، وأخيرا محياة بنت امرئ القيس الكلبية، وقد أنجبت له أم البنين أربعة بنين كان أكبرهم أبو الفضل العباس قائد قوات الحسين بن علي في معركة كربلاء.
والأربعة أولاد قد استشهدوا مع أخيهم الحسين بن علي في كربلاء، وكما أن قبيلتها تعد من أسياد القبائل، وقد تزوجها علي بن أبي طالب طامعا في أن يأتيه غلام شجاع، فقد جاء الصحابي علي بن أبي طالب يوما إلى أخيه عقيل، وقال له هل لي بامرأة تتخير لي نسلها، لتلد لي غلاما شجاعا، فعندها قال له عقيل أين أنت من فاطمة بنت حزام، وقيل أن عقيل هو من عرض عليه هذا الأمر بعد ما رأى حزنه على فاطمة بنت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي زوجته، وكانت أم البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحق أهل البيت، وكانت فصيحة، بليغة، ورعة، ذات زهد وتقى وعبادة.
ولجلالتها زارتها السيدة زينب الكبرى بعد منصرفها مِن واقعة الطف، كما كانت تزورها أيام العيد، فقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية، وإن من صفاتها الظاهرة المعروفة فيها هو الوفاء، فعاشت مع أمير المؤمنين على بن ابى طالب، في صفاء وإخلاص، وعاشت بعد شهادته مدة طويلة لم تتزوج من غيره، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث، فامتنعت، وقد روت حديثا عن الإمام علي في أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والوصي لا يتزوجن بعده، وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة العباس وأخوته.
بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه، وقيل في تسميتها أم البنين هو أن الذي كناها بأم البنين هو أبوها حزام، تيمنا بجدتها ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث كان لها خمسة أبناء أكبرهم أبو براء ملاعب الأسنة، وقد ذكر لذلك حدث، فإن حزاما كان في سفر مع أصحابه، وقد نام فرأى في عالم الرؤيا أنه قد انعزل عن أصحابه ناحية في أرض خصبة وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها، وإذا به يرى رجلا أقبل إليه من صدر البرية على فرس وسلم عليه، وسأله بكم تبيع هذه الدرة عندما رآها في يده.
فقال له حزام بأنني لا أعرف قيمتها حتى أقدر لك ثمنها، لكن أنت بكم تشتريها، فقال له الرجل، أنا أيضا لا أعرف لها قيمة، لكن أهدها إلى أحد الأمراء، وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير، فقال له ما هو، قال أضمن لك به عنده الحظوة والشرف والزلفى والسؤؤد أبد الآبدين، فقال له حزام وتكون أنت الواسطة في ذلك، قال وأكون أنا الواسطة أعطني إياها فأعطاه إياها، فلما انتبه حزام وقص رؤياه على أصحابه وطلب تأويلها، فقال له احدهم إن صدقت رؤياك فإنك ترزق بنتا ويخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشرف والسؤود.
وعند عودته من سفره بشروه بولادة زوجته ثمامة الحبلى، وأنها قد أنجبت له أنثى، فتهلل وجهه لذلك، وقال في نفسه قد صدقت رؤياي، وقال لهم أسموها فاطمة، وكنوها بأم البنين، وقيل فى تسميتها أنه كان ذلك بطلب منها لزوجها بإن لا يناديها بفاطمة حتى لا يشعر أبناء فاطمة الزهراء بالحزن عند سماع اسم امهم في كل مرة وطلبت منه منادتها بأم البنين تفاؤلا بالبنين بعد ولادتها، ولما وصل خبر استشهادهم إلى أمهم، أم البنين في المدينة المنورة بكتهم بكاء مرا، لكن كان بكاؤها لهم أقل من بكائها على الحسين وذلك في قصة مشهورة، وهو عن بشر قال رأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلا وهي تشق الصفوف نحوي.
فلما وصلت قالت يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين، فعلمت أنها ذاهلة، لأني أنادي، قتل الحسين، وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي هذه أم البنين، فأشفقت عليها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة، فقلت لها عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله، فقالت ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين، قال، فقلت لها عظم الله لك الأجر بولدك عثمان، فقالت ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين، قلت لها عظم الله لك الأجر بولدك جعفر، قالت ما سألتك عن جعفر، فإن ولدي وما أظلته السماء فداء للحسين، أخبرني عن الحسين، قلت لها عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس.
وقال بشر، لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها وسقط الطفل من على عاتقها، وقالت لقد والله قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين، قال، فقلت لها عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين، وقد وُلدت أم البنين من بيت عريق في العروبة والشجاعة، وليس في العرب أشجع من أبائها وأصل كريم، حيث تعتبر قبيلتها من أشرف القبائل العربية شرفا، وأجمعهم للمآثر الكريمة التي تفتخر بها سادات العرب، ويعترف لها بالسيادة، لكثرة النوابغ من الرجال المبرزين والزعماء الممتازين بأكمل الصفات الكريمة وأتم الخصال الممدوحة، كالكرم والشجاعة والفصاحة وغير ذلك.
ومن الصفات التي حباها الله إياها لأم البنين بعد أن نشأت في عائلة معروفة بالعقل والأدب الخلق الفضيل والحميد، واتصفت أم البنين باللطف والأخلاق الدمثة، ورزقها الله العقل الرشيد والفطنة والذكاء، ومن الصفات التي لا تخفى على أحد بلاغتها وروعة فصاحتها وزهدها بالإضافة لتقاها وعبادتها، واتسمت بالوفاء فلم تتزوج بعد استشهاد الإمام علي بن أبى طالب، وإنما قامت على شؤون أولاده الحسن والحسين وهم أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد عمر طاهر قضته أم البنين بين عبادة لله عز وجل وأحزان طويلة على فقد أولياء الله سبحانه.
وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولاد لها في ساعة واحدة مع الحسين، وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين على بن أبى طالب، في محرابه، بعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء وولديه سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى أقبل الأجل الذي لابد منه، وحان موعد الحمام النازل على ابن آدم، فكانت وفاتها المؤلمة في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة أربعه وستين للهجرة، وقبرها في البقيع في الزاوية بالمدينة المنورة.