كبشة بنت رافع الأنصارية ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن كبشة بنت رافع الأنصارية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

كبشة بنت رافع الأنصارية ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع كبشة بنت رافع الأنصارية، وأما في غزوة أحد فقد خرجت أم سعد رضي الله عنها مع من خرج من النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وردت الأخبار إلى المدينة باستشهاد عدد من المسلمين ، وكان من بين الشهداء ابنها عمرو بن معاذ رضي الله عنه، ولكن هذه الصحابية الجليلة كانت ترجو سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقبلت بسرعة نحو أرض المعركة فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم، سالما حمدت الله وقالت” أما إذا رايتك سالما فقد اشوت، أي هانت المصيبة، فعزّاها النبي صلى الله عليه وسلم، بابنها عمرو، وفي إحدى الساعات الحرجة التي زاغت فيها الابصار وبلغت القلوب الحناجر وعلى وجه التحديد في غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حظيت أم سعد بشهادة الصدق مختومة بختم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد كان ابنها سعد يرتدي درعا قصيرة قد ظهرت منها ذراعه فمرّ من أمام حصن بني حارثة وكان فيه النساء والأطفال، ومن بينهم السيدة عائشة أم المؤمنين وأمّه كبشة رضي الله عنهما، فقالت له أمه تستعجله الحق برسول الله يا بني فقد والله تأخرت، وقد أرادت رضي الله عنها أن لا تفوته لحظة دون أن يحظى بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت السيدة عائشة والله يا أم سعد لوددت أن درع سعد أطول على يده ممّا هي فقالت أم سعد يقضي الله ما هو قاض، فقضى الله أمرا كان مفعولا وأصيب سعد بسهم قطع منه الأكحل، وهو عرق في الذراع يُسمى عرق الحياة، رماه به حبّان بن العرقة، وتوجه سعد بن معاذ، بالدعاء إلى الله قائلا.

” اللهم إن كنت ابقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها، فإنه لا قوم أحبّ إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم ءاذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستجاب الله له فالتحم جرحه، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب، ونقض يهود بني قريظة العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعندها نزلوا عند رغبتهم، فحكم عليهم بأن تقتل رجالهم وتسبى نساءهم وذراريهم، ولما نفذ حكم سعد فيهم انفتق جرحه فمات شهيدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن سعد ” اهتز عرش الرحمن عز وجل لموت سعد بن معاذ”.

والمعنى هى أن انتعش العرش وحاملوه فرحا بقدوم روحه رضي الله عنه، وفي هذا دليل علوّ مقامه ورفيع مكانته، لأن العرب تنسب الشىء العظيم لأعظم الاشياء، فتقول أظلمت الأرض لموت فلان، واهتزت له الجبال، واحتسبت أم سعد ابنها الثاني شهيدا عند الله، لعلمها بمكانة الشهيد وللبشرى التي بشرها بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابنها هو سعد بن معاذ، وهو صحابي جليل، وكان سيدا للأوس في يثرب قبل الهجرة النبوية، وقد أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب ليعلم أهلها دينهم، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل كلهم، وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، شهد سعد بن معاذ معه غزوات بدر وأحد والخندق التي أصيب فيها.

إصابة بليغة، ولما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم، بني قريظة، قبلوا بالاستسلام على أن يُحكَم فيهم سعد بن معاذ، فحُمل إليهم وهو جريح، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين، بعد غزوة بني قريظة، انتقض جرح سعد، ولم يلبث إلا يسيرا ومات، وكانت السيده كبشه بنت رافع ابنها هو عمرو بن معاذ وهو ممن شهد بدرا، واستشهد بأحد، وقتله ضرار بن الخطاب الفهري، وقال حين طعنه فأنفذه لا تعدمن رجلا يزوجك من الحور العين، قاله استهزاء، وذاك قَبل إسلام ضرار، وكان له حينئذ اثنتان وثلاثون سنة، وقيل أنه قد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين عمرو بن معاذ وبين عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص.

وكانت للسيده كبشه بنت رافع بشارتها بالجنة، فقد قال الله تعالى ” الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون” فهذه الصحابية الفاضلة ضربت أروع آيات الصبر والتوكل في تاريخ النساء وكانت تحث على مرضاة ربها ومرضاة نبيه، وتؤثر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل غالي ونفيس من مال وولد، لقد صبرت عندما استشهد ولدها عمرو وأخوه سعد رضي الله عنهما وفي السنة النبوية إشارات كثيرة ودلائل واضحة تبشر بالجنة لمن صبر ابتغاء مرضاة الله، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” مَن احتسب ثلاثة من صُلبه دخل الجنة” فقامت امرأة فقالت أو اثنان؟ فقال” أو اثنان” فقالت يا ليتني قلت واحدة، فكانت هذه نفحات ندية من سيرة صحابية جليلة فقد صبرت ابتغاء مرضاة الله تعالى فرضي الله عنها وأرضاها لأنها ضربت الأمثلة في الصبر والوفاء.