آسية بنت مزاحم ” جزء 1″

الدكرورى يتكلم عن آسية بنت مزاحم ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

آسية بنت مزاحم ” جزء 1″

إن المرأة في الإسلام إنسان كامل، أعدها الله عز وجل لأن تكون موضع كرامة الله، وتتلقى الخطاب الإلهي، والتكليف الرباني، وتتوجه إليها الأوامر والزواجر التي تناسب واقعها الذي تفرضه طبيعة خلقها، ويفرضه الكمال المنشود في تكوينها، وفي الصنع الإلهي للبشرية في سياق هدايتها نحو الكمال، وسوقها نحو الغايات الكبرى التي أراد الله لها أن تسعى إليها، وتحصل عليها، فكانت المرأة هي ذلك المخلوق، الذي لا مجال لأن يُفرض عليه الرأي والاعتقاد، ما دامت تملك العقل والتمييز، والإرادة والاختيار، وينسحب ذلك على مختلف الشؤون والحالات، خصوصا فيما يرتبط بالناحية الإعتقادية والإيمانية، فها هو أعظم المستكبرين، وأشدهم علوا وعتوا، والذي بلغ في استكباره حدا ادعى فيه الربوبية، ها هو، قد عجز عن فرض إرادته على المرأة.

رغم أنها كانت محاصرة بكل القوى ومحاطة بظروف شديدة القسوة، من شأنها أن تُسقط إرادتها، ولكنها كانت أقوى من ذلك كله، ففرضت إيمانها وإرادتها، وهزمت كل تلك القوى العاتية، وباء ذلك المستكبر المدعي للربوبية بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة، وأقصد بها، السيدة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون بالذات، وهذه هي المرأة التي أراد الإسلام لها، كما أراد للسيدة مريم بنت عمران، والسيدة خديجة بنت خويلد، والسيدة فاطمة الزهراء عليهن السلام، وأن تكون النموذج الرائد، والمثل والأسوة للنساء في هذه الحياة، وأن تكون مظهرا لإرادة الله تعالى على هذه الأرض، وتجسيدا لحكمته، وإظهارا لبديع صنعه سبجانه وتعالي، فماذا عن هذه المرأة النموذج الفذ، والمتفرد، التي فاقت نساء عصرها، ونالت الأوسمة الكبرى، ولكن لا من الناس العاجزين والقاصرين.

وإنما من مصدر الكمال والقدرة، والعزة والكبرياء، حيث قدمها الله تعالى ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون نموذجا، وقدوة، وأسوة، ومثالا يُحتذى، وقمة للكمال الإنساني، فاقت نساء عصرها كلهن رضي الله عنهن، فكانت بحق سيدة نساء عالمها كله، إنها السيدة آسية بنت مزاحم زوجة مصعب الريان فرعون مصر أيام ولادة نبي الله موسى بن عمران عليه السلام، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء وإحدى النساء الموحدات الفاضلات المؤمنات بالله وبشريعة نبى الله موسى عليه السلام، وكانت أما للمؤمنين ترحمهم، وتتصدق عليهم، وتعطيهم، وعرفت بالصلاح والتقوى والتراحم على ضعفاء المؤمنين، وكانت تقضي أكثر أوقاتها في ذكر الله وتسبيحه وتقديسه، وكانت تخفي إيمانها بالله وبشريعة موسى عليه السلام خوفا من زوجها.

الذي تجبر وعتا وكفر بالله وادعي الألوهية، وأتى بقبائح الأمور، ولقد كانت آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون، امرأة من بني إسرائيل، وكانت مؤمنة ومخلصة، وكانت تعبد الله سرا، وكانت على ذلك إلى أن قتل فرعون امرأة حزبيل، فعاينت حينئذ الملائكة يعرجون بروحها، لما أراد الله بها من الخير، فزادت يقينا، وإخلاصا، وتصديقا، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون، يخبرها بما صنع بها، فقالت الويل لك يا فرعون، ما أجرأك على الله عز وجل، فقال لها لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ؟ فقالت ما اعتراني جنون، لكن آمنت بالله، ربي، وربك، ورب العالمين ، فدعا فرعون أمها، فقال لها إن ابنتك أخذها الجنون، فأقسم لتذوقن الموت، أو لتكفرن بإله موسى، فخلت بها أمها، فسألتها موافقة فرعون، فيما أراد، فأبت.

وقالت أما أن أكفر بالله، فلا والله لا أفعل ذلك أبدا، وعلى ضفاف النيل وفي إحدى شرفات القصر العظيم، جلست آسية بجوار زوجها فرعون مستأثرة دون نسائه بحبه وإعجابه، فنظرت إلى سواد في عرض النيل يشبه الصندوق، فأمرت جواريها بإحضاره، وما كان أشد دهشتها حين فتحت الصندوق، فإذا فيه طفل صغير، وفور رؤيتها لهذا الطفل الصغير، ندت منها صيحة إعجاب وقالت “ما أجملها من هدية، إنها هدية من السماء، فقالت هذا ابني ولم يكن لها ولا للملك ولد، وقال فرعون كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟ ثم قام وخرج، وكان سبب ذبح الغلمان أيام فرعون هو أن فرعون كان قد رأى في منامه أن نارا أقبلت عليه من جهة بيت المقدس فأحرقت مصر، فسأل فرعون كهنته تأويل رؤياه هذه فقالوا له سيولد غلام من بني إسرائيل يكون هلاك أهل مصر على يديه.