آسية بنت مزاحم ” جزء 2″

الدكرورى يتكلم عن آسية بنت مزاحم ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

آسية بنت مزاحم ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع آسية بنت مزاحم، فقالوا له سيولد غلام من بني إسرائيل يكون هلاك أهل مصر على يديه، فأصدر أوامرك بقتل كل مولود ذكر يولد لبني إسرائيل في توه وساعة ولادته، وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرون على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون، آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد، الذي كان ملك مصر في زمن يوسف، وقيل، إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى، وقيل بل كانت عمته، فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب، رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية، والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه، أحبته حبا شديدا جدا، فلما جاء فرعون قال ما هذا؟ وأمر بذبحه، فعندما جاء الذباحون ودخلوا على آسية يطلبون الصبي لتنفيذ ما أمرهم به فرعون مسبقا.

بقتل كل غلام، رفضت بشدة وقالت لهم انصرفوا من أمامي، فإني لا أعطي الطفل لأحد، ثم ذهبت إلى فرعون تستعطفه وتتوسل إليه ألا يقتل الغلام الصغير، فيقول الله تعالى في سورة القصص ” وقالت امرأة فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون” وظلت تتوسل لفرعون، فأجابها قرة عين لك، أما أنا فلا حاجة لي فيه، ثم ألقى الله تعالى محبة نبيه موسى عليه السلام في كل من رآه حتى فرعون، فيقول الله تعالى في سورة طه ” وألقيت عليك محبة مني ولتصنع علي عيني” وحينما وصلت البشارة الي زوجة فرعون بالوصول الي مرضعة تكفل الرضيع، فأرسلت بنت مزاحم إليها فأتت بها وبه، فقالت لها امكثي عندي ترضعي ابني هذا، فإني لم أحب حبه شيئا قط، لكنها في النهاية أخذته إلى بيتها لترضعه.

ولمّا ترعرع موسى قالت امرأة فرعون لأم موسى أريد أن تريني ابني، فوعدتها يوما تريها فيه إياه، وهنا قالت آسيا زوجة فرعون لمن في القصر لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة، فلم تزل الهدايا تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلما دخل عليها أكرمته وفرحت به، وأعجبها وأكرمت أمه لحسن أثرها عليه، وبعد سنوات وعندما بلغ موسى أشده وعاد إلى مصر بأمر من ربه بدأ يدعو فرعون وقومه إلى عبادة الله وحده، فواجهه فرعون بكل قوة وبطش حتى انتهوا إلى مبارزة بالسحر وامرأة فرعون تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون، وكانت المخاوف تحاصر السيدة أسية أن ينجح عدو الله وسدنته في الحاق الأذي بموسي، وبعد عدة سنوات من القهر والظلم ارتبطت وفاة زوجة فرعون.

السيدة أسية بنت مزاحم بحادث بشيع ويتمثل في مقتل ماشطة ابنة فرعون وابنائها فما إن فرغ فرعون من قتل الماشطة حتي دخل الي مخدع زوجته يستعرض أمامها قواه فصاحت به آسيا الويل لك ما أجرأك على الله ثم أعلنت إيمانها بالله، فغضب فرعون غضبا شديدا وتوعدها بالموت إن لم تتراجع، وقد عاني فرعون لفترة من الذهول بسبب إصرار زوجته علي إعلان إيمانها لكنه مع هذا أقسم مخاطبا زوجته بنت مزاحم لتذوقن الموت أو لتكفرن بالله، ثم أمر فرعون بها، فمُدت على لوح وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد، وأمر بضربها، فضُربت حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها واللحم ينسلخ عن عظمها، وقد ضربت السيدة آسية بنت مزاحم أقوى النماذج في الصبر على الشدائد والثبات على الإيمان بالله على الرغم مما طالها من أذى.

بعد إيمانها بنبي الله موسى عليه السلام، وقال أبو العالية اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها فقال لهم إنها تعبد ربا غيري، فقالوا له أقتلها، فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها، فلما اشتد عليها العذاب، وعاينت الموت، رفعت بصرها إلى السماء وقالت “رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” وارتفعت دعوتها إلى السماء، وقال ابن كثير فكشف الله لها عن بيتها في الجنة فتبسمت ثم ماتت، وهكذا كانت زوجة فرعون المؤمنة فقد كانت مثالا يُحتذى به للصبر والثبات، بل وتضمنت العديد من الدروس والعبر التي يستفاد منها في واقع الحياة، وعلي رأسها الصمود والثبات على العقيدة أمام الإغراءات والتحديات.

والتعبير بجرأة وشموخ عن الهوية والانتماءات الدينية، ورفض الانتماءات الأخري بل أن القصة كرست اعتقادا بأن النعيم المؤجل الدائم خير من النعيم العاجل اللحظي فدائما ما عند الله خير وأبقى، ويقول الله تعالى في سورة التحريم ” وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابني لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين”