الدكرورى يكتب عن طليحة بن
خويلد بن الأشتر ” جزء 12″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثاني عشر مع طليحة بن خويلد بن الأشتر، ولم يدع طليحة العرب إلى العودة لعبادة الأصنام، كما لم يدع غيره من المتنبئين إلى العودة لعبادتها، والراجح أن مرد ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم قضى على الوثنية في الجزيرة العربية قضاء مبرما، واستقرت عقيدة التوحيد في النفوس بشكل جعل التفكير في العودة إلى عبادة الأصنام ضربا من الهذيان، فدعا إلى أفكار لم يحفظ لنا التاريخ منها شيئا يُذكر، وكل ما وصل إلينا أنه أنكر الركوع والسجود في الصلاة، وقال “إن الله لم يأمر أن تمرغوا وجوهكم في التراب، أو أن تقوسوا ظهوركم في الصلاة” وقال أيضا إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا.
فاذكروا الله أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح، وهذا تأثير نصرانى، والراجح أن السبب في ندرة المعلومات يعود إلى أن المسلمين الأوائل لم يدونوا إلا ما كان يتوافق مع أحكام الدين الإسلامي، وأهملوا ما دون ذلك، ولقد حارب النبى صلى الله عليه وسلم انتشار ظاهرة التنبؤ، في حياته، فكما أوعز إلى مقاومة الأسود العنسى والتخلص منه إما غيلة وإما مصادمة، فقد وجه ضرار بن الأزور إلى عماله على بني أسد يأمرهم بالقيام على كل من ارتد، ونزل المسلمون واردات ونزل طليحة ومن معه سميراء، وكانت كفة المسلمين هي الراجحة بفعل تواتر الأنباء على انتصاراتهم في غير منطقة، حتى هم ضرار بالسير إلى طليحة ومقابلته.
ولقد سبقه أحد المسلمين يريد أن يتخلص من هذا المتنبئ فضربه بالسلاح فأخطأه، وأسرع المحيطون به باستغلال هذه الحادثة، وأذاعوها بين الناس مدعين بأن السلاح لا يؤثر في نبيهم، وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون يستعدون لمواجهة هذا الموقف إذ جاءهم نعي النبى محمد صلى الله عليه وسلم، فاضطربوا وتناقص عددهم، وهرع الكثيرون منهم إلى طليحة يتابعونه ويؤيدونه، وأما الأسود العنسى فقد خرج بصنعاء، وادعى النبوة في حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وغلب على عامله هناك المهاجر بن أبى أمية، وعظمت شوكته، وحارب المسلمين، وفتك بهم، ولم يزل يعيث في الأرض مفسدا.
حتى أخذه الله قبيل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم أو يومها، وأراح العالم من شره ثم ظهر بعد العهد النبوى كذابون دجّالون متنبئون، منهم المختار بن أبي عبيد الثقفى، وقد شهد عليه بدعوى النبوة والكذب الصريح جماعة من أهل البيت، بل شهد عليه حديث الإمام مسلم في صحيحه عن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في قصتها مع الحجاج بن يوسف الثقفى، وهي تقول له “أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن فى ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المُبير فلا إخالك إلا إياه” فقام عنها، ولم يراجعها” والمبير هو الجبار المُهلك، والمراد به هنا هو الحجاج بن يوسف الثقفي.
والمراد بالكذاب هو المختار بن أبي عُبيد الثقفى، وذلك بإجماع العلماء، كما قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، ومن أقبح أكاذيبه وهو دعواه أن جبريل عليه السلام كان يأتيه بالوحي، ومما ورد في ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن رفاعة الغسانى قال” دخلت على المختار، فألقى إليّ وسادة، وقال لولا أن أخى جبرائيل قام عن هذه وأشار إلى أخرى عنده لألقيتها لك” وقد يكون من العجب أن أباه أبا عبيد الثقفى كان رجلا صالحا، واستشهد أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في حرب المجوس، وكذلك أخته صفية بنت أبي عبيد وكانت امرأة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.