الدكرورى يكتب عن عقبه بن عامر الجهني ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع عقبه بن عامر الجهني، وقد جدد هذا المكان المبارك الوزير محمد باشا سلحدار، في سنة ألف وستة وستين، وفى داخل القبة يوجد قطعة من حجر أسود لماع، ويدعى سدنة الضريح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها، وكذلك أنشأ محمد باشا السلحدار بجوار جامع سيدى عقبة زاوية جعلها مكتبا لتعليم اليتامى القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وتشتمل الزاوية على، محراب دائرى مبنى بالحجر الفضى النحيت الأحمر وعلى جانبيه شباكان من النحاس الأصفر، ويعلو المحراب نافذة، مستديرة مملوءة بالخشب الخرط الجميل كما أنشأ سبيلا كسى أرضه بالرخام المتعدد الألوان، أما صهريج السبيل فيقوم على أربعة عقود.
ويتوسطه قبة وبيارة على فوهتها خرزتان، تعلو أحدهما الأخرى العليا من الرخام والسفلى من الحجر وبجانب البيارة حاصل للماء يصل منه الماء إلى حوضى المزملتين، الكبرى منهما فرشت أرضيتها بالرخام الملون النفيس والأخرى يجرى اليها الماء في مجرى من الرصاص، وأما عن الصحابى عقبة بن عامر، فقد روى الإمام مسلم بسنده عن عقبة بن عامر، أنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا في غنم لي أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه، فقال بايعني، فبايعته على الهجرة، وذكر ابن سعد في الطبقات، أنه عندما بايع عقبة النبي صلى الله عليه وسلم سأله النبي صلى الله عليه وسلم، بيعة عربية تريد أم بيعة هجرة؟
فقال بل بيعة هجرة، فبايعني على الهجرة وأقمت، بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأخذ بزمام بغلته ويقودها في الأسفار، وكان عقبة قارئا فقيها عالما بالفرائض شاعرا فصيح اللسان، وقائدا من قادة الفتح المرموقين وواليا من ولاة الإسلام المعدودين، وقد جعل عقبة همه في أمرين اثنين، هم العلم والجهاد، وانصرف إليهما بروحه وجسده، وبذل لهما من ذاته أسخى البذل وأكرمه، وكان عقبة من أحسن الناس صوتا بالقرآن الكريم، فتصغى لترتيله أفئدة الصحابة الكرام، وتخشع له قلوبهم وتفيض عيونهم بالدمع من خشية الله، وقال أبى عبد الرحمن الجبلى أن عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.
حتى قال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أعرض عليا شيئا من كتاب الله يا عقبة، فقرأن فبكى عمر بن الخطاب، حتى بللت دموعه لحيته، وقد شهد عقبة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدا وما بعدها من الغزوات، وكان أحد الكماة الأشاوس المغاوير، الذين أبلوا يوم فتح دمشق أعز البلاء وأعظمه، فكافأه أبو عبيدة بن الجراح على حسن بلائه بأن بعثه بشيرا إلى عمر بن الخطاب في المدينة ليبشره بالفتح، فظل ثمانية أيام بلياليها من الجمعة إلى الجمعة يغذ السير دون انقطاع، حتى بشر الفاروق عمر بالفتح العظيم، ثم إنه كان أحد قادة جيوش المسلمين التي فتحت مصر فكافأه أمير المسلمين معاوية بن أبي سفيان بأن جعله واليا عليها ثلاث سنوات.
ثم وجهه لغزو جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، وقد بلغ ولع عقبة بالجهاد فى سبيل الله، أنه وعى أحاديث الجهاد في صدره واختص بروايتها إلى المسلمين، كما كان عقبة من رواة الحديث، وروى عنه من الصحابة جابر، وابن عباس، وأبو أمامة، ومسلمة بن مخلد، وأما رواته من التابعين فكثيرون، ويقول الناسخ بن غنيم قال ابن الجوزي في كشف المشكل، أنه جملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خمسة وخمسون حديثا، وقد أخرج له في الصحيحين سبعة عشر حديثا، وكان عقبة ولع بالجهاد والرماية إلى درجة أنه كان إذا أراد أن يتلهى تلهى بالرمى.