الدكرورى يكتب عن سليمان بن يسار ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سليمان بن يسار
ونكمل الجزء الثانء مع سليمان بن يسار، وقال عنه الذهبي كان من أوعية العلم، وقال عنه الزُهري كان من العلماء، وقال عنه الحسن بن محمد بن الحنفية سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب، وقال عنه مالك بن أنس كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان كثيرا ما يوافق سعيدا، وكان سعيد لا يجترئ عليه، وقيل أنه قد أسند سليمان أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن عمرو، وابن عباس، وأم سلمة وعدد كبير من الصحابة، وقيل أنه ذات مرة خرج سليمان بن يسار من المدينة ومعه رفيق له حتى نزلوا بالأبواء، فقام رفيقه فأخذ السفرة وانطلق إلى السوق يبتاع لهم وقعد سليمان في الخيمة، وكان من أروع وأجمل الناس وجها، فبصرت به أعرابية من قمة الجبل، وهي في خيمتها فلما رأت حسنه وجماله انحدرت وعليها البرقع والقفازان.
فجاءت بين يديه فأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر، فقالت أهبتني؟ فظن أنها تريد طعاما، فقام إلى فضل السفرة ليعطيها، فقالت لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله، فقال لها جهزك إليّ إبليس، ثم وضع رأسه بين كميه، فأخذ في النحيب فلم يزل يبكي، فلما رأت ذلك سدلت البرقع على وجهها ورجعت إلى خيمتها، فجاء رفيقه وقد ابتاع لهم ما يرفقهم، فلما رآه وقد انتفخت عيناه من البكاء وانقطع حلقه قال ما يبكيك؟ قال خير، ذكرت صبيتي، قال لا إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، فلم يزل به رفيقه حتى أخبره بشأن الأعرابية، فوضع السفرة وجعل يبكي بكاء شديدا، فقال له سليمان أنت ما يبكيك؟ قال أنا أحق بالبكاء منك، قال فلما؟، قال لأني أخشى لو كنت مكانك ما صبرت عنها، قال فما زالا يبكيان.
قال فلما انتهى سليمان إلى مكة وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبى بثوبه فنعس، فإذا رجل وسيم جميل له شارة حسنة ورائحة طيبة، فقال له سليمان من أنت رحمك الله؟ قال أنا يوسف بن يعقوب، قال يوسف الصديق؟ قال نعم، قلت إن في شأنك وشأن امرأة العزيز شأنا عجيبا، فقال له يوسف شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب، وبعد حياة طويلة حافلة بالعطاء والجد والجهد في خدمة الإسلام وقرآنه العظيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، توفي سليمان بن يسار سنة مائه وسبعه من الهجره، وهو ابن ثلاثه وسبعون سنة، وفي ختام ما جاء من حديث عن حياة التابعي الجليل سليمان بن يسار، جدير بالقول إن التابعي سليمان بن يسار رحمه الله، أمضى حياته في طلب العلم وفي تعليم الناس، وفي خدمة الدين الإسلامي الحنيف، فأفتى الناس في مسائل كثيرة.
وقضى حياته في العطاء والبذل والجد والعمل في سبيل الإسلام، حتى وافته المنية، وهكذا هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمَن كان بالله أعرف كان منه أخوف، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم، وأكثر.