الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله أيوب عليه السلام
إن الصبر من الدين هو بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقامات الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، فقال الله تعالى عن عباد الرحمن فى سورة الفرقان ” أولئك الذين يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ” وقال سبحانه وتعالى عن أهل الجنة فى سورة الرعد ” والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ” وإن من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة فإنه استنبط أهل العلم أن للصبر ثلاثة أقسام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
فأول أنواع الصبر الصبر على طاعة الله تعالى وهو أن يلزم الإنسان نفسه طاعة الله وعبادته ويؤديها كما أمره الله تعالى، وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، وأما النوع الثاني فهو الصبر عن معصية الله تعالى بأن يمنع الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه، مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، فمتى علم العاقل ما في الوقوع في المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي أوجب ذلك أن يدعها خوفا من علام الغيوب، وفي القسمين السابقين من الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال.
” حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ” رواه البخاري ومسلم، وعند البخاري أيضا ” حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” وقال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فمعنى هذا الحديث أن من أراد الفوز بالجنة والنجاة من النار، فعليه بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، ولو وجد في ذلك مشقة على نفسه، والحقيقة أن هذه المشقة تتلاشى كلما زاد إيمان العبد، وقويت صلته بمولاه، وأما القسم الثالث من الصبر فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة.
ومعناه أن يستسلم الإنسان لله فيما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام والمصائب، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر، فالله هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، له الخلق وله الأمر، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالمؤمن يعلم أن البلاء لنزوله أسباب وحكم، بعضها ربما يعلمها العبد وبعضها لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، والمؤمن يعلم أن لدفع البلاء ولرفعه أسبابا من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، والمؤمن يعلم أن ما ينزله الله تعالى بعبده المؤمن رحمة وخيرا وحكمة ورفعة للدرجات وتكفيرا للسيئات، ولذلك يكون راضيا بما قدره الله عز وجل، مسلما أمره إلى الله، محتسبا الأجر والخلف من الله الكريم، فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواحى أخرى.
فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة البقرة ” ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ” وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ” وعن أم العلاء رضي الله عنها قالت ” عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال ” أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة” رواه أبو داود.