الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله أيوب عليه السلام
ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله أيوب عليه السلام، وصار هذا البلاء مطهرة للذنوب، ومرقاة لأعلى الدرجات، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة ” رواه مسلم، وغدا بلاء أيوب عليه السلام ذكرى لكل عابد معتبِر، يعلم أن الله قد يبتلي أولياءه ومن أحب من عباده في الدنيا بضروب من البلاء في نفسه وأهله وماله، من غير هوان به عليه، ولكن اختبارا منه له، ليبلغ بصبره عليه واحتسابه إياه وحسن يقينه منزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده، ولما كان للبلاء وقته الذي قدره الله مما تتحقق به الغاية منه، وتكاملت أيامه، هيّأ الله للفرج سببه وهدى نبيه أيوب عليه السلام لمناجاته بدعاء المنكسر المتأدب مع ربه كما قال الله تعالى فى سورة الأنبياء ” أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين ”
ويقول ابن القيم رحمه الله أنه جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ونبى الله أيوب عليه السلام، هو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في القرآن الكريم فى سورة النساء، وكما قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم، أنه كان نبى الله أيوب عليه السلام رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران، وكانت كلها له، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسُلب منه ذلك جميعه وابتلى في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما، وهو في ذلك صابر محتسب، ذاكر الله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه، وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأَوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، وانقطع عنه الناس.
ولم يبقي أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، وضعف حالها، وقل مالها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه وتقوم بأوده رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد، وخدمة الناس بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الله تعالى على لسان نبيه داود عليه السلام فى سورة الأنبياء ” أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين ” ويقول ابن القيم رحمه الله أنه جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في المتملق له، والإقرار له بصفة الرحمة.
وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته وهو فقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشف عنه بلواه، وقد قيل أنه من قالها سبع مرات، ولا سيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره، وتأمل أدبه مع ربه حين لم ينسب الضر إلى الله سبحانه وتعالى مع أنه هو المقدّر له، وكيف عرض برفع البلاء ولم يصرح به، تأدبا مع ربه سبحانه وتعالى وإنه بعد الصبر والدعاء وحسن الظن بالله وتوقع الفرج أذن الله سبحانه للبلاء أن يرفع، فأوحى إلى نبيه أيوب عليه السلام أن يقوم من مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل فأنبع الله عينا، وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى، وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا.
كما قال الله تعالى فى سورة ص ” اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ” وإن في بلاء نبى الله أيوب عليه السلام سلوة لكل مبتلى، وبيان لمنهج التعامل مع البلاء، وذلك أن المؤمن منهي عن تمني البلاء، وإن وقع فليس له إلا الصبر بأن يحبس القلب عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن إظهار التسخط، وليثق بقرب الفرج له، وأن اختيار الله تعالى له خير من اختياره لنفسه، وليلحّ على ربه بالدعاء وطلب الفرج فاستخراج عبودية الدعاء من أجل مقاصد البلاء، وقد مرّ محمد بن علي بمحمد بن المنكدر قال ما لي أراك مغموما؟ فقال أبو حازم ذلك لدَين قد فدحه, قال محمد بن علي أفتح له في الدعاء؟ قال نعم، فقال لقد بورك لعبد من حاجة أكثر فيها دعاء ربه كائنة ما كانت، وقال أبو الدرداء، من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له.