نبي الله أيوب عليه السلام

الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله أيوب عليه السلام

ونكمل الجزء الرابع مع نبي الله أيوب عليه السلام، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له، وفي بلاء نبى الله أيوب عليه السلام أمل يلوح سناه بين جهام البلاء المتلبد فلا تأسر لحظة شدته الحاضرة أمل الفرج المتيقن الذي يعقبه، فما بعد العسر إلا اليسر، وما بعد الشدة إلا الفرج، فقال الله تعالى فى سورة الشرح ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ” وفرج الله سبحانه وتعالى بحر لا تحيط الظنون بمسارب وروده، فبلاء ممض طاولت أيامه ثمان عشرة سنة رفعه الله بحركة قدم، وفي ضراعة نبى الله أيوب عليه السلام تجلية لأعظم ما يخفف وطأة البلاء، وذلك باستشعار قرب المولى عز وجل، وتذكر دنو رحمته وكريم لطفه، فدخل محمد بن المنكدر على عون بن عبد الله في مرضه، فلما رأى محمد وجعه ترقرقت عيناه بالدموع حتى دمعتا.

فكشف عون وجهه فقال ما شأنك يا أبا عبد الله؟ قال رأيت شكواك، قال حسبي ربي عز وجل, هو عدتي لكل كربة, وصاحبي عند كل شدة, ووليي في كل نعمة، وتلمح عقبى الأجر وحسن العاقبة بلسم يداوى به ألم البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض ” رواه الترمذي، وفي بلاء نبى الله أيوب عليه السلام ذكرى لكل عابد أن الصبر والاستكانة والثبات والتواضع لله سبحانه وتعالى حال الأزمات هو أسباب يُتنزل بها رحمة أرحم الراحمين، لتكون العاقبة الفرج والمخرج والراحة، فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة يوسف ” لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ”

ونبى الله أيوب عليه السلام، هو أيوب بن موص بن رزاح بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل، وكان أيوب رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الانعام والعبيد والمواشي، والاراضي المتسعة، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسلب منه ذلك جميعه، وابتلى في جسده ، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما، وكان وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه، وهكذا أصبح نبى الله أيوب مريضا بعد أن كان في صحة وعافية، وأصبح فقيرا بعد أن كان غنيا، وأصبح وحيدا بعد أن كان يزدحم مجلسه بالمقربين ويملك العبيد والخدم، ولما سئل عن ذلك قال”عارية الله استردها ووديعة كانت عندنا فأخذها، نعمنا بها دهرا، فالحمد لله على ما أنعم، وسلبنا إياها اليوم.

فله الحمد معطيا وسالبا، نافعا وضارا، وهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، ثم خر أيوب ساجدا لله ” ولقد طال مرضه عليه السلام، حتى انقطع عنه الونيس، وقاطعه الأهل والإخوان، وجفاه الأصحاب والخلان، ولكنه مع ذلك، ظل محتسبا عند الله صبره، ومفوضا لله أمره، فإنه ابتلاء واختبار من الله تعالى، والمؤمن إذا نزل به بلاء صبر واحتسب عند الله صبره، فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال، قلت يا رسول الله أى الناس أشد بلاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان فى دينه رقة ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه شئ ” رواه الترمذى.

وهكذا لم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وكانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، وضعف حالها وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر، لتطعمه وتقوم بأوده، رضى الله عنها وأرضاها، وهى صابرة معه على ماحل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة، وإن نبى الله داود عليه السلام من سلالة نبى الله إبراهيم عليه السلام وكان من النبيين الموحى إليهم، وكان أيوب ذا مال وأولاد كثيرين ولكن الله ابتلاه في هذا كله فزال عنه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء واستمر مرضه ثمانى عشر عاما اعتزله فيها الناس إلا امرأته صبرت وعملت لكي توفر قوت يومهما.