الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله أيوب عليه السلام
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله أيوب عليه السلام، حتى عافاه الله من مرضه وأخلفه في كل ما ابتلي فيه، ولذلك يضرب المثل بأيوب في صبره وفي بلائه، وروي أن الله تعالى يحتج يوم القيامة بأيوب عليه السلام على أهل البلاء، فقد ضربت الأمثال في صبر هذا النبي، فكلما ابتلي إنسانا ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه فقال تعالى ” إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ” والأوبة هي العودة إلى الله تعالى، وقد كان نبى الله أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر، وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه، والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده، وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه، وكثرت الروايات والأساطير التي نسجت حول مرض نبي الله أيوب عليه السلام.
ودخلت الإسرائيليات في كثير من هذه الروايات، فقيل أن نبى الله أيوب عليه السلام كان ذا مال وولد كثير، ففقد ماله وولده، وابتلي في جسده، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد إلا زوجته ورجلين من إخوانه، وكانت زوجته تخدم الناس بالأجر، لتحضر لأيوب الطعام، ثم إن الناس توقفوا عن استخدامها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفا أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدا يستخدمها باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت خدمت به أناسا، فلما كان الغد لم تجد أحدا، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضا، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقا.
قال في دعائه ” رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين” وحلف أن يضربها مائة سوط إذا شفى، وقيل أن امرأة أيوب أخبرته أنها لقيت طبيبا في الطريق عرض أن يداوي أيوب إذا رضي أن يقول أنت شفيتني بعد علاجه، فعرف أيوب أن هذا الطبيب هو إبليس، فغضب وحلف أن يضربها مائة ضربة، وأما ما كان من أمر صاحبي نبى الله أيوب عليه السلام، فقد كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما للآخر، لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء, فذكره الآخر لأيوب, فحزن ودعا الله، ثم خرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه, فأوحى الله إليه أن اركض برجلك, فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا, فجاءت امرأته فلم تعرفه, فسألته عن أيوب فقال إني أنا هو, وكان له أندران، أحدهما للقمح والآخر للشعير.
فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض, وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال “بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك” ومعنى رجل جراد أي جماعة جراد، فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ، وهو عود دقيق، فيضربها ضربة واحدة لكي لا يحنث في قسمه وبذلك يكون قد بر في قسمه، ثم جزى الله عز وجل نبيه أيوب عليه السلام، على صبره بأن آتاه أهله، فقيل أنه أحيى الله أبناءه، وقيل أنه آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة، وقد ذكر بعض العلماء أن الله تعالى رد على امرأته شبابها.
حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا، وإن هذه هى أشهر رواية عن فتنة نبى الله أيوب عليه السلام وصبره، ولم يذكر فيها أي شيء عن تساقط لحمه، وأنه لم يبقى منه إلا العظم والعصب، فإننا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء وكما نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة، ويجدر التنبيه بأن دعاء نبى الله أيوب عليه السلام لربه ” أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب ” قد يكون القصد منه شكوى أيوب عليه السلام، لربه والسبب هو جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه، ولا يعتقد نبى الله أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان، وهذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم، وقد روى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين, والله أعلم.