حاتم الطائي ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن حاتم الطائي ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

حاتم الطائي ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع حاتم الطائي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها، مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة، فكان مثالا للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثلت هذه الفضائل في صفات عدة كان منها نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.

وكان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكان يُقال له تنغة، وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا، ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنها كانت ميسورة الحال وقد ورث حاتم عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به.

فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالا ولا ترد محتاجا، ومن المواقف لحاتم الطائي وهو اسره لدى بكر، أن قالت له امرأة من عنزة بن ربيعه، قم افصد لنا هذه الناقة، فقام حاتم ونحر الناقة بدلا من فصدها، فذهلت المرأة واسمها عالية العنزيه التي تزوجها فيما بعد وانجبت له شبيب على حد ذكر ابن الاثير، وقد أقترن الكرم والجود والسخاء بحاتم الطائى، ونرى ذلك عند نقاشه مع والده عندما قدم لضيوفه كل الأبل التي كان يرعاها وهو يجهل هويتهم وعندما تعرفهم كانوا شعراء ثلاثة عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم .

والنابغة الذبياني وكانت وجهتهم النعمان فسألوه القرى فنحر لهم ثلاثه من الأبل فقال عبيد أنما أردنا بالقرى اللبن وكانت تكفينا بكره إذ كنت لابد متكلفا لنا شيئا، فقال حاتم قد عرفت ولكنى رأيت وجوها مختلفة وألوانا متفرقة فطننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منكم مارأى إذا أتى قومه فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله فقال حاتم أردت أن أحسن اليكم فصار لكم الفضل علي وأنا أعاهد أن أضرب عراقيب ابلى عن أخرها أوتقوموا اليها فتقسموها ففعلو فأصاب الرجل تسعه وثلاثون ومضوا إلى النعمان.

وان أبا حاتم سمع بما فعل فأتاه فقال له اين الأبل ؟ فقال حاتم يا أبتي طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرما لا يزال الرجل يحمل بيت شعر اثنى به علينا عوضا من ابلك، فلما سمع أبوه ذلك قال أيا أبلى فعلت ذلك؟ فقال نعم، فقال والله لا أساكنك ابدا فخرج أبوه بأهله وترك حاتما ومعه جاريته وفرسه وفلوها، وكانت هناك حادثة مشهورة قيل ان أحد قياصرة الروم بلغته أخبار جود حاتم فأستغربها فبلغه أن لحاتم فرسا من كرام الخيل عزيزة عنده فأرسل اليه بعض حجابه يطلبون الفرس.

فلما دخل الحاجب دار حاتم أستقبله أحسن أستقبال ورحب به وهو لايعلم أنه حاجب القيصر وكانت المواشى في المرعى فلم يجد اليها سبيلا لقرى ضيفه فنحر الفرس وأضرم النار ثم دخل إلى ضيفه يحادثه فأعلمه أنه رسول القيصر قد حضر يستميحه الفرس فساء ذلك حاتم وقال هل أعلمتني قبل الآن فأنى فد نحرتها لك إذا لم أجد جزورا غيرها فعجب الرسول من سخائه وقال والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا، وقد ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان.

وأما أخواله فقد ورث عنهم حب العطاء والسخاء، وكان حاتم ظاهرة في الكرم العربي الأصيل ورمزا للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، فهو لم يكن كريما وجوادا في ماله فحسب وإنما جسد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفا طاهرا دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظا على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظا أيضا على حرمة المرأة وكرامتها فلا يطرق بابها ليلا ولا يتسلل إلى مخدعها سرا.

فكان كرمه بعيدا عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، وقيل أن حاتما توفي بعد ولادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بثماني سنوات، وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أن حاتما توفي عام خمسمائة وستة ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أن حاتما توفي في عام خمسمائة وخمسة وسبعون ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عام.