المناخ الدولي بين الواقعية والليبرالية 

المناخ الدولي بين الواقعية والليبرالية 

كتب : محمد عزت 

المناخ الدولي بين الواقعية والليبرالية

تُعد الأزمة الدولية الراهنة تعبيرًا عن التغيير في حجم التفاعلات وكيفيتها وشدتها بين الدول، فهي نقطة تحول في إطار النسق الدولي، الأمر الذي يزيد من احتمالات التصادم في المصالح وزيادة التحديات والتهديدات ولاسيما بعد قفزة بوتين علي القانون الدولي منتهكًا كل قواعد حفظ السلام والأمن الدوليين بإجتياحه أوكرانيا لرغبته في استعادة أمجاد الاتحاد السوڤيتي خاصة بعد محاولات غربية عديدة لاستقطاب الدول الحدودية مع روسيا ورغبة اوكرانيا في الانضمام للاتحاد الاوروبي وحلف الناتو ..فإذا نجح الغرب في إدماج أوكرانيا في المنظومة الاقتصادية والأمنية الغربية، فلم يتبق سوي بيلاروسيا لتكون فاصلة بين الغرب وروسيا لكنها ستكون محاطة شمالًا وجنوبًا وغربًا بالغرب وحلفائه مما يجعلها الوحيدة الموالية لروسيا في البوابة الشرقية لأوروبا.

من ناحية أخري، تصاعد الأحداث بين الجانبين واحتدام الصراع الروسي الغربي ينم عن نهج روسي جديد يعتمد علي الاستقلالية وكسب المصالح باستغلال الفرص الناجمة من تورط الولايات المتحدة في أحداث الشرق الاوسط في العراق وافغنستان والتقاطعات في العلاقات الأمريكية الايرانية بشأن البرنامج النووي الايراني. لذلك لابد من الحديث عن السيناريوهات المتوقعة حول مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية

من المؤكد ان كل هذه التوترات ستساهم في التعجيل في إحداث تحولات في النسق الدولي ولاسيما بعد وصول القوات الروسية إلي العاصمة كييڤ وربما تستولي علي أوكرانيا بالكامل ومن ثم تحقيق آمال بوتين للنهوض بروسيا بإحتواء أجزائها المنفصلة إبان انهيار الاتحاد السوڤيتي.

من المتوقع ان يقتصر رد الفعل الغربي علي انتهاج استراتيچية العقوبات مع امكانية التراجع حال قيام روسيا بالتراجع عن موقفها العدائي ، وعلي ضوء الحسابات العقلانية والواقعية وحسابات التكلفة الذي يعتمد عليها الغرب، يبدو ان خيارات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ترتكز علي خطوات منظمة ومدروسة ولكن سياسة العقوبات ستبقي محدودة التأثير والفاعلية علي روسيا كما ان العقوبات سوف تضر ايضًا بالغرب، فأوروبا لا تستطيع الاستغناء عن النفط الروسي لرخص سعره كما انها لا تستطيع تحمل خسارة الاتفاقيات والصفقات التجارية الثنائية. بينما تكمن المشكلة الأكبر بالنسبة لموسكو في اعتماد واشنطن علي حجب الدولار الامريكي عن البنوك الروسية خاصة وان التعاملات المالية الدولية تُنظم علي أساس الدولار الامريكي.

لكن ملامح التحدي مستمرة في الضغط الاوروبي علي روسيا بإيقاف ألمانيا تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 وهو ما أخذه بوتين بعين الاعتبار في خطوته الاستباقية بالاتجاه إلي الصين وعقد اتفاق لتأمين نقل الغاز إلي السوق الصينية الضخمة.

بالنسبة للصين كقوة اقتصادية كبرى وقطب عالمي صاعد، فعلى الأرجح تحاول الاستفادة من تشتت تركيز أمريكا في الحرب الروسية والاوكرانية وتتجه لغزو تيوان واستعاداتها تحت سيطرة جمهورية الصين الشعبية ومن ثم يصبح الهدف الاستراتيجي لروسيا والصين هو الاطاحة بالولايات المتحدة الامريكية من زعامتها للعالم.

كل هذه النقاط هي محض توقعات وتنبؤات قد يحدث بعضها أو لا يحدث؛ قد تزيد أو تنقص حدتها وطبيعتها وفقًا للفترة الزمنية التي سوف يستغرقها الصراع وكذلك تتعلق بمسار السياسة العالمية، والواقع أن العلاقات الدولية هي أكثر حقول العلوم السياسية إشكالية ومفاجأة فيما يتعلق بمسألة التنبؤات.