الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 13″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 13″
ونكمل الجزء الثالث عشر مع نبي الله أيوب عليه السلام، وقال أبو حيان والجمهور، على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شُتت منهم، وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى “وآتيناه أهله ومثلهم معهم” فقال صلى الله عليه وسلم “ردّ الله تعالى امرأته إليه، وزاد في شبابها، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا ” وقوله سبحانه ” رحمة منا” أي رحمة به على صبره، وثباته، وإنابته، وتواضعه، واستكانته “وذكرى لأولي الألباب” أي عبرة لذوي العقول، ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة، وفي سورة الأنبياء يقول الله تعالى ” رحمة من عندنا وذكرى للعابدين” أي أجبنا دعاءه، وفعلنا معه ما فعلنا من ألوان الخيرات، من أجل رحمتنا به.
ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكرى لغيره من العابدين، حتى يقتدوا به في صبره على البلاء، وفي المداومة على شكرنا في السراء والضراء، وقوله تعالى “وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث” فقد ذكروا أن نبى الله أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ونقم عليها في أمر فعلته، قيل إنها باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة وقيل لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثا، أي حزمة أغصان كثيرة فيه مائة قضيب، فيضربها بها ضربة واحدة، وقد برت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه.
ولهذا قال تعالى ” إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب” وقد أثنى الله تعالى عليه ومدحه بقوله ” إنه أواب ” أي رجّاع منيب للحق، وقد ذكر بعض المفسرين عند قوله تعالى” وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر” قصصا وأقوالا لا يصح التعويل عليها، ولا الالتفات إليها، فقد ذكروا أن أيوب مرض زمنا طويلا، وأن الديدان تناثرت من جسده، وأن لحمه قد تمزق وكل هذا ونحوه لا يؤبه به لأن الله تعالى عصم أنبياءه من الأمراض المنفرة، التي تؤدي إلى ابتعاد الناس عنهم، سواء أكانت أمراضا جسدية، أم عصبية، أم نفسية والذي يجب اعتقاده أن الله تعالى قد ابتلى عبده أيوب ببعض الأمراض التي لا تتنافي مع صفات النبوة، وقد صبر أيوب عليه السلام على ما ابتلاه الله به، حتى ضُرب به المثل في الصبر، فكانت عاقبة صبره، أن عافه الله من مرضه.
ورفع عنه ما نزل به من البلاء والضر، وأعطاه من سابع نعمه، وذكروا أيضا عند قوله سبحانه ” وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ” روايات حول من وقع عليه الضرب، وسبب الضرب، والأقرب إلى الصواب أن أيوب أرسل امرأته في حاجة له، فأبطأت عليه، فأقسم أنه إذا برئ من مرضه ليضربنها مائة ضربة، وبعد شفائه، رخص له سبحانه، أن يأخذ حزمة صغيرة بها مائة عود، ثم يضربها بها مرة واحدة، وبذلك يكون قد جمع بين الوفاء بيمنه، وبين الرحمة بزوجته التي أحسنت إليه أيام مرضه، وفى النهاية فإن كل ما يروى من تسلط الشيطان على أيوب عليه السلامعلى جسده وأهله و ماله كل ذلك من الإسرائيليات المردودة التي ينقضها الشرع، ولا ريب أنها من وضع اليهود الذين لا هم لهم إلا الحط من قدر رسل الله وأنبيائه وإظهارهم في أبشع صورة.
فكم حاكوا من القصص المكذوبة حول أبينا آدم ونوح وداود ولوط وغيرهم من الرسل، فالحق أن مرض نبى الله أيوب عليه السلام كان مرضا عضويا، كالمرض الذي يصيب المفاصل مثلا و لم يكن جذاما كما يقال أو مرضا منفرا تشمئز منه النفوس كما يروج في كثير من القصص الإسرائيلية، حيث نجد أن نبى الله أيوب عليه السلام أصيب بمرض ألقي بسببه في مزبلة من مزابل بني إسرائيل وأن الهوام والدواب تنهش جسده وأنه لم يستطع الاقتراب منه إلا امرأته التي باعت شعرها لتطعمه إلى غير ذلك من الخرافات والأكاذيب فنبى الله أيوب عليه السلام معصوم من مثل هذا، فالرسل والأنبياء من أكرم الخلق على الله، ويستحيل أن يقع لأحد منهم ما قد يحول بينه وبين وظيفته المتمثلة في التبليغ و الدعوة وأما قول نبى الله أيوب عليه السلام أني مسني الشيطان بنصب وعذاب”
فليس المقصود تسلط إبليس عليه بسحر أو غيره، وإنما المقصود أنه تسلط عليه بالوسوسة ليتضجر من طول مرضه، مما جعله يدعو الله تعالى وإن الدرس الأهم المستفاد من هذه القصة، هو أن العبد عليه دائما وأبدا في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي المنشط والمكره أن يلجأ إلى الله، وأن يملأ قلبه اعتقادا، وأن لا مجيب له إلا الله سبحانه وتعالى، وأن لا كاشف لما نزل به من البلاء إلا رب الأرباب، وخالق الأسباب، فهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء، وهذا الاعتقاد يُدخل الراحة والطمأنينة في قلب المؤمن، ويجعل حياته هادئة مستقرة لا اضطراب فيها ولا قلق، ونفسه راضية مطمئنة، ترضى بما كتبه الله عليها، وتقبل بما قسمه الله لها، وأيضا من أهم الدروس المستفادة من قصة نبى الله أيوب عليه السلام هو درس الصبر.
فالصبر على البلاء، والصبر على المرض، والصبر على مفاتن الدنيا، والصبر على ذهاب المال والولد، كل ذلك من أنواع الصبر ونحوها مما يبتلي الله بها عباده ليعلم من يصبر منهم ممن لا يصبر، وليعلم المؤمن الحق من المنافق، وأن هذه القصة فيها عبرة لأولي الألباب، ويجب على أصحاب العقول التمعن فيها، وأن يتذكروا بلاء أيوب، وأن الله رحمه، وأن في بلائه مثلا، وأن فيه عبرة للبشرية، وأن فيه حسن عاقبة لمن صبر، وأن العباد متعرضون للابتلاء، وأن الله لا يبتلي فقط الفساق والفجار، بل إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة محمد “ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم “واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا” رواه أحمد.