الدكرورى يكتب عن شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
رجب وذكري الإسراء والمعراج
ونكمل الجزء العاشر مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، وتأخر الحديث عن المعراج إلى سورة النجم، التي وضعت بعد سورة الإسراء في ترتيب سور القرآن الكريم وقد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء وهو الرحلة الأرضية، مقدمة للإخبار بالمعراج، وهي الرحلة العلوية التي ذهل الناس عندما أخبروا بها، فارتد عن الإسلام وقتها ضعاف الإيمان، بينما ظل على الإيمان أقوياءه، وفى رحلة الإسراء يقول ابن القيم رحمه الله أنه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبا على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ويقول الله في سورة الإسراء “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”
ويقول الله سبحانه وتعالى وتعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده” ومعنى سبحان، أي تنزه الله تعالى في قوله عن كل قول، وتنزه الله عز وجل في فعله عن كل فعل، وتنزه الله سبحانه وتعالى في صفاته عن كل صفات “الذي أسرى” أي الذي أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم بالمسير والانتقال ليلا “بعبده” أي بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وهي مهمة هداية البشر جميعا ولم يقل الله سبحانه، بخليله أو بحبيبه أو بنبيه، وإنما قال تعالى بعبده، وفي هذا ملحظ هام وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فكان حقا العبد الكامل، أو الإنسان الكامل، ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى وأما فى قوله ليلا “ليلا” وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل.
ولم يستغرق الليل كله، وكان الليل هو وقت الرحلتين لأنه أحب أوقات الخلوة، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب، وأما قوله تعالى”من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” فتفسيره أن انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في رحلته الأرضية كان بين مسجدين، أولهما هو المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية، وهو أحب بيوت الله تعالى في الأرض، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وثانيهما هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين، مهد الأنبياء والرسل، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام.
الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمان، والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، وقوله تعالى”الذي باركنا حوله” أي الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات، دنيوية ومعنوية وقوله تعالى “لنريه من آياتنا” أي بعض الآيات الدالة على قدرة الله تعالى وعظمته، وليس كل الآيات، أما عن السؤال الذى أختلف فيه كثيرا من الناس وهو هل الإسراء بالروح أم الجسد؟ فقد أنقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث آراء، فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح، ومنهم من يقول كان بالجسد، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة، أما الإسراء فقد نص عليه القرآن الكريم في سورة الإسراء.
وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقظة ليلة الإسراء وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وقال القرطبي، أنه ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا، وقال الشوكاني في قتح القدير، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة، ويكفي أن الإسراء والمعراج كان بجسده الشريف صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”