أخو الصدق والعدل ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن أخو الصدق والعدل ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أخو الصدق والعدل ” جزء 1″

إن الوفاء هو أخو الصدق والعدل، وإن الغدر هو أخو الكذب والجور ذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معا، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقضا للعهد، وإن الوفاء هو إتمام العهد، وإكمال الشرط، ويقال أوفيته الشيء، إذا قضيته إياه وافيا، وتوفيت الشيء واستوفيته، إذا أخذته كله حتى لم تترك منه شيئا، وأوفى الكيل أي أتمه، ولم ينقص منه شيئا، والوفي الذي يعطي الحق ويأخذ الحق، والجمع أوفياء، والوفاء له قيمة إنسانية وأخلاقية كبيرة فهو يضع دعائم الثقة بين الناس، ويؤكد أواصر التعاون في المجتمع، والوفاء يختص بالإنسان فمن فقد فيه الوفاء فقد انسلخ من الإنسانية، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب.

وارتفع التعايش ولذلك عظم الله تعالى أمره، فإن الوفاء من صفات الله تعالى، وإن الوفاء هو سبيل الحسنات، والوفاء من صفات الأنبياء، والوفاء من صفات المؤمنين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافَها، أتلَفه الله” البخاري، ومعنى أدى الله عنه، أى يسّر الله تعالى له ما يؤدى منه من فضله، وأرضى صاحب الدّين في الآخرة، إن لم يستطع المدين الوفاء بدينه في الدنيا، ومعنى أتلفه الله، أى أذهب الله تعالى ماله في الدنيا، وعاقبه على الدّين يوم القيامة، فإنه لا عزة للأمة الإسلامية ولا مكانة لها ما دامت لا تضحي لدينها، ولا تثأر لعقيدتها، ولن تنال العزة والقوة والتمكين في يوم من الأيام، بالمال والجاه، أو الانهزامية، والخذلان، فقد خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الشام.

وذلك حينما ذهب ليتسلم مفاتيح بيت المقدس وكان خليفة المسلمين آنذاك، وقال الراوي ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر بن الخطاب على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ تخلع نعليك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك أي نظروا إليك وأنت على هذه الحال، فقال عمر بن الخطاب أوّه، لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله، وهذا ربعي بن عامر يرسله سعد بن أبي وقاص إلى القادسية رسولا إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم، فدخل عليه.

وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي والحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب مرقعة صفيقة وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبه حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسادات، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، وبيضته على رأسه، فقالوا له ضع سلاحك، فقال إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم ائذنوا له فأقبل متوكئا على رمحه فوق النمارق فتخرق عامتها فقالوا له ما جاء بكم؟ فقال الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فلقد ضرب لنا جيلنا الأول من الصحابة والتابعين

أروع ما عرفه التاريخ من التضحيات والإقدام والشجاعة حتى خافت الفرس والروم آنذاك من هذا السيل الجارف والقوة الكاسرة، ولقد كانت المبادئ عندهم والغايات التي يسعون لتحقيقها هي رفعة الدين، ونصرة الدعوة وحماية العقيدة فبذلوا لتحقيقها كل غاية ووسيلة صغرت أم كبرت، وكان هذا الهم وهذه المبادئ لا يختص به الرجال فقط بل حتى النساء والصبيان، فهذا الزبير بن العوام كان جالسا يوما عند الكعبة مسندا ظهره إليها، وإذا بمناد ينادي لقد قتل محمد، لقد قتل محمد، فقام الزبير فزعا مضموما وسل سيفه، وانطلق يبحث عن مصدر الصوت، وكان عمره آنذاك اثني عشرة سنة، فبينما هو كذلك إذا به يقابل النبي صلى الله عليه وسلم فانكب عليه، فقال يا رسول الله لقد سمعت عنك كذا وكذا، ووالله لقد خرجت بسيف لأقابل قريش أجمع أقتل أو يقتلوني.