الدكرورى يكتب عن أخو الصدق والعدل ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أخو الصدق والعدل ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع أخو الصدق والعدل، فقال يا رسول الله لقد سمعت عنك كذا وكذا، ووالله لقد خرجت بسيف لأقابل قريش أجمع أقتل أو يقتلوني، فكان الزبير عمره اثنا عشرة سنة وهذه اهتماماته وهذه بطولته، يريد أن يقاتل قريشا أجمع وحده ثأرا للنبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال ائتني بالشهداء، فقال كفى بالله شهيدا، قال فائتني بالكفيل، قال كفى بالله كفيلا، قال صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر.
فقال اللهم إنك تعلم أني قد كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بذلك، وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا من طلب مركب لآتيك فيه، قال هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا، وهكذا عندما يصدق الرجل في عهده ووفائه.
وهكذا عندما يهم الإنسان بدينه وعهده ليقضيه ولا يلتمس أعذارا، وهكذا حينما تكون النفس عفيفة لا تأخذ إلا مالها، وكان بإمكان المسلف أن يأخذ ما أتاه به، فاصدقوا مع الله واصدقوا مع الخلق وأوفوا ما عاهدتم به، وراقبوا ربكم بما بينكم وبينه، فإن الوفاء هو الصدق بالوعد مع الآخرين حتى دون أن تطلب منهم، وهو خصلة جميلة ونادرة في الإنسان في هذا الزمن، وهو خصلة اجتماعية لطيفة خلقية تتمثل في التفاني من أجل شيء ما أو مسألة ما بصدق خالص، والوفاء هو أصل الصدق، عندما يبلغها الإنسان بمشاعره كاملة، والوفاء صدق في القول والفعل معا دون ترك أحد منهما، والوفاء يلزم القيم السامية والمثلى للإنسان ليعيش حياة كاملة، فمن فقد عنده الوفاء فقد ترك إنسانيته، وقد جعل الله الوفاء قواما لصلاح أمور الناس جميعا، وإن الوفاء ضد الغدر.
ويقال وَفى بعهده وأوفى، بمعنى، ووفى بعهده يفي وفاء، وأوفى إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه، والوفاء هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء، وقيل هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه، ويرهن به لسانه، والخروج مما يضمنه، وإن كان مجحفا به، وإن الفرق بين الوفاء والصدق، قيل هما أعم وأخص، فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء، فإن الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول لأنه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول، وإن الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معا، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقض العهد، والوفاء يختص بالإنسان، فمن فقد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس.