الدكرورى يكتب عن عقبة بن
عامر بن نابي الأنصاري ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكــــروى
لقد كان في العام الحادي عشر من البعثة النبوية الشريفة، وفي موسم الحج كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يعرض نفسه على القبائل لينصروا دعوته، فعرض نفسه على مجموعة من شباب الخزرج ودعاهم إلى الإسلام، فأخبروه أن بينهم وبين إخوانهم من الأوس حروبا ونزاعات، لعل الله يجمع كلمتهم بهذه الدعوة المباركة، فعاد هؤلاء الرهط إلى المدينة، ودعوا قومهم إلى الإسلام، فبدأ الإسلام ينتشر في بيوت المدينة، وفي العام الثاني عشر من البعثة، أتى وفد جديد من المدينة بلغ عدد أفراده اثنا عشر رجلا، خمسة منهم من الستة الذين كانوا في العام الماضي، فبايعوا النبى صلى الله عليه وسلم، البيعة المشهورة بألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا.
ولا يزنوا، إلى آخر شروط البيعة، وبعدما انتهت بيعة العقبة الأولى، فقد أرسل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مصعب بن عمير إلى المدينة يدعو أهلها إلى الإسلام، فدخل الإسلام بيوت المدينة، ووجد المهاجرون موئلا لهم بين إخوانهم من الأنصار، وقد تضمنت بيعة العقبة الأولى مجموعة من البنود التي بايع عليها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، صحابته الكرام، ثم أخبرهم أن من وفَى منهم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب شيئا من تلك المحظورات فعوقب عليه في الحياة الدنيا فهذا العقاب كفّارة له، أما من أصاب من ذلك شيئا فلم يُعاقَب به في الدنيا فأمره إلى الله سبحانه، وكانت هذه الشروط هي توحيد الله سبحانه وتعالى.
وعدم الشرك به، والامتناع عن السرقة، وعن الزنا، وعن قتل الأولاد، وعن الإتيان ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، وعن إتيان المعصية في معروف، وكانت بنود بيعة العقبة الأولى ذات أهمية كبيرة في تشكيل نواة أساسية للدولة الإسلامية الناشئة، وكانت من أهم الدلالات التي تحملها بنودها، هو تركيز النبي صلى الله عليه وسلم، ابتداء على القضية الأساسية المحورية في هذا الدين، وهي قضية توحيد الله سبحانه، والأخذ منه وحده، وتقديمه على كل ما عداه، وكذلك تركيز النبي صلى الله عليه وسلم، في البنود على قضايا أخلاقية محورية فيه دلالة على أهمية الأخلاق في إقامة الدول والحضارات، فالأخلاق هي التي تسمو بالمجتمع قبل أي شيء آخر.
وكذلك تركيز النبى صلى الله عليه وسلم، في البند الأخير على الطاعة ثم تقييدها بالمعروف، وهذا يدل أولا على أهمية طاعة النبى صلى الله عليه وسلم، في أوامره ونواهيه قرآنا وسنة، فالمجتمع الإسلامي يقوم على الطاعة لهذا النبي، المُبلغ عن ربه عز وجل، ثم تقييده صلى الله عليه وسلم، الطاعة بالمعروف مع أنه لا يأمر إلا بخير، وفيه تأسيس للمبدأ الذي يقوم عليه مفهوم الطاعة في هذه الأمة إلى قيام الساعة، لأن القائد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، سيكون بشرا يصيب ويخطئ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم، تأصيلا شاملا لمفهوم الطاعة في الدولة الإسلامية، وهو أنه طاعة في المعروف فقط، والمعروف هو ما جاء عن الله سبحانه وتعالى أو نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإن عدم تطرق النبى صلى الله عليه وسلم، إلى موضوع الجهاد في هذه البيعة فيه دلالة على التربية المتدرجة التي كان الصحابة يربون عليها، فالأنصار ما زالوا حديثي عهد بهذا الدين، ولم يكن بينهم من يعلمهم أحكام الجهاد ويُنشئهم عليه، فلم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم، نقلهم إلى هذه المرحلة، بل اكتفى بالجوانب الأساسية التي تهمّهم فيها، خاصة أن المدينة ومكة لم تكونا مستعدتين للدخول في صراعات عسكرية فيها، ومن جانب آخر فإن شوكة المسلمين ما زالت ضعيفة، ولم يكتمل بناء الدولة بعد، وكان الثمن الذي وعد النبى صلى الله عليه وسلم، به أصحابه هو الجنة فقط، فلم يعدهم بالدنيا وأموالها وزخارفها، ولم يعدهم بالراحة، بل وعدهم بكلمة واحدة هي التي ينبغي أن يتربى الجيل الصاعد عليها، وهي الجنة وليس أي شيء آخر سواها.