الدكرورى يكتب عن السرقة والمجتمع ” جزء 3″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
السرقة والمجتمع ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع السرقة والمجتمع، وإبراء الذمة من المسروقات يكون بردها إلى أصحابها إن كانت باقية في يد السارق، ويكون برد المثل أو القيمة عند تلف المسروقات أو فقدانها، ذلك لأن من المقرر شرعا أن التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” علي اليد ما أخذت حتي تؤدية” رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وأنه يجب على التائب أن يرد الحقوق المادية لأصحابها، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم، فإن عجز عن إرجاعها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق فليتصدق بها عنه، وأوضحت أنه في حالة إذا ما خشي الإنسان من حدوث مضار إذا رد الحقوق لأصحابها كفتنة أو تشهير بسوء السيرة، أو قطع لصلة الرحم، ونحو ذلك جاز له أن يعيد الحق إلى أصحابه بطريقة أو بأخرى.
من غير أن يخبرهم بما ارتكبه من السرقة، ولو كان الرد في صورة هدية ونحوها أو هبة مجهولة المصدر، أما الأشياء التي سرقها الإنسان في طفولته قبل البلوغ، فإنه لا يحسب له ذلك ذنبا لعدم تكليفه في صغره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” وسواء كان هذا المال خاصا أو عاما وهو ما يسمى بالمال العام الذي وكل حفظه إلى ولي الأمر أو غيره، وقال صلى الله عليه وسلم “مَن كسب مالا من حرام فأعتق منه ووصل منه رحمه كان ذلك إصرا عليه” فالمال المسروق مال محرم مسحوق البركة لا ينفع صاحبه، بل يضرّه، حتى لو أراد فعل الخير به وبناء المساجد، ورعاية الأيتام، ومن اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف به في جهنم.
ولقد جاء الإسلام لرعاية الناس ولرعاية المال، ومن هنا يقول الله عز وجل في حدّ السرقة ” السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبت نكالا من الله” واليد تقطع بجريمة السرقة، مع أن الأصل فيها أنها ثمينة بحيث لو اعتدى إنسان على يد آخر فقطع يده ظلما وعدوانا فإنه يدفع دية اليد المقطوعة خمسين ناقة، وأما إذا سرقت اليد فإنها تُقطع بأمر من الله عز وجل بعشرة دراهم، وربما تعجب البعض إذا قطع إنسان يد إنسان دفع ديتها خمسين ناقة، وإذا سرقت اليد عشرة دراهم قطعت اليد؟ نعم، لأن اليد عندما كانت أمينة كانت ثمينة، وعندما خانت هانت، ولا يشك مسلم ولا عاقل في جرم السرقة وتحريمها في شرائع الناس كلهم، مهما قل قدرها وخفيت سبيلها، نقودا أو منافع، منقولات أو عقارات، حرّم الإسلام السرقة، وحذر من ضررها في الدنيا والآخرة.
وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أول الإسلام يبايع المسلمين رجالا ونساء على اجتنابها، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله عز وجل كما جاء في سورة الممتحنة ” يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن” واعلم أيها السارق بأنك ستحاسب يوم القيامة، واسمع ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ” لعن الله السارق، يسرق البيضه فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده” واللعنة تعني الطرد من رحمة الله، فهنا يجب علينا جميعا أن نتصور أن السارق سرق بيضة فطرد من رحمة الله، وسرق حبلا فطرد من رحمة الله، فلو كان إيمان هذا الإنسان كاملا في قلبه لما اجترأ على السرقة.
لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” ونفهم من قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ أن تتلمس الإيمان في قلبك الذي هو سر سعادتك في الدنيا والآخرة، وإن سُلب من قلبك الإيمان لا قدر الله فأي سعادة ترجوها، وخاصة أننا عرفنا من سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما بايع أصحابه الكرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري ” بايغوني علي أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا” وإن عقوبة السرقة في الإسلام بقطع اليد ليست مجحفة وقاسية، وإنما تسعى لردع السارق وحفظ حقوق الغير ورعاية مصالحهم، حتى لا ينتشر الفساد، لذلك لا يطبق الحد إلا في حالة ثبوت الجريمة على السارق.