الدكرورى يكتب عن السرقة والمجتمع ” جزء 6″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
السرقة والمجتمع ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع السرقة والمجتمع، لكن للفقهاء تفصيل في أثر القرابة على العقوبة المقررة للسرقة، وذلك يختلف باختلاف كون السارق أصلا للمسروق منه بأن يكون أبا أو جدا مثلا، أو فرعا منه كأن يكون ولده، أو يكون بين السارق والمسروق منه رحم أو زوجية، وإن قرابة الأصول والفروع تكون مؤثرة في عدم القطع، مع حصول الإثم، وكذلك الزوجية مؤثرة أيضا، وأما غير هذه القرابة فلا تؤثر في إقامة العقوبة المقررة في السرقة، فإن السرقة هي أخذ أموال وممتلكات الغير، بطريقة خفية دون علمه، أو عن طريق خيانة الأمانة كأن يكون يعمل السارق في محل أو شركة ويقوم بسرقة ممتلكاتها، دون وجه حق، ويُشترط ألا يكون السارق مالكا للمال، وإن السرقة من أشد الامور التي حرمها الإسلام وجعل لها حدا بقطع يد السارق.
نتيجة أثر السرقة على فتح أبواب الفساد وانهيار المجتمعات، وهذا يدل على مدى بشاعة هذا الفعل وحرمته، فالسرقة واحدة من الكبائر التي تختص بأمور العباد، بالتالي لا غفران ولا توبة عنها إلا إن سامح المعتدى عليه في حقه وعفا عن السارق، غير ذلك يحاسب عليها العبد يوم القيامة ويقتص الله تعالى منه لصالح من ظلمهم وسلب حقوقهم، ومن شروط السرقة هو أن يكون المال مأخوذ خفية ودون علم صاحبه ومعرفته بمن نهب ماله، أما من أخذ المال عنوة بالقوة أو اغتصب ملكا للغير أو غشه وترتب على هذا الغش أخذه لمال الغير دون وجه حق، لا يطبق عليهم حد السرقة لانتفاء شرط الخفاء، وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم “ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع” وكذلك التكليف بأن يكون الشخص بالغا عاقلا واعيا لما يفعل، فلا حد على الطفل أو البالغ.
إذا فقد عقله حتى لو ارتكبوا واقعة السرقة، لكن يجب أن يعاقب الطفل على فعلته بما يراه والديه مناسبا لتتهذب أخلاقه ويعلم حرمة ما فعل، وكذلك لا يُحاسب السارق على ما فعل إن ثبت أنه أقدم على ذلك مُجبرا وتحت التهديد لما في ذلك من انتفاء قدرته وحريته، وأيضا العلم بحرمة السرقة وبحدودها، فإذا كان جاهلا نفي عنه الحد، وأيضا بلوغ النصاب بما يعادل ربع دينار ذهبي أو ثلاثة دراهم فضة، فإذا كان المال المسروق أقل من ذلك لا تقطع يد السارق، وأن يكون المال مؤمنا فإذا كان ملقى في الطريق أو في مكان غير مغلق كأن يكون باب البيت مفتوحا وما إلى ذلك نفي الحد، وأيضا ثبوت جريمة السرقة بالأدلة القاطعة التي لا تقبل التشكيك حتى يطبق عليه الحد، فإذا كانت هناك أي شبهة حول اتهامه انتفت عنه العقوبة لأن الشبهات تنفي الحدود.
وأيضا عدم امتلاك المال فلا تطبيق للحد على من سرق من مال أبويه أو من أخذ من مال ابنه لأن كلاهما ملزم بالإنفاق على الآخر، كذلك لا يجب حد السرقة على من سرق من مال له فيه جزء كالشركاء، لكن يطبق عليهم القانون الوضعي ويتم إلزامهم برد ما أخذوا إذا لم يسامح المعتدى عليهم، وكان أول ما أخذ النبي صلي الله عليه وسلم العهد على أصحابه في بيعة العقبة وهم في مكة، وكان المسلمون في حال الاختفاء، على “ألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا” فقد أخذ النبي صلي الله عليه وسلم العهد على الرجال بعدم السرقة، كما جاء في الصحيح، وعلى النساء أخذ العهد أيضا بنص كتاب الله تعالى، كما روى مسلم رحمه الله في صحيحه أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يمتحن”
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها “فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة” أي الامتحان “وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلي الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن، ولا والله ما مست يد رسول الله صلي الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام” وإن بعض الناس الذين يسرقوا وهم أغنياء، وهم غير محتاجين، ولكن السرقة عندهم أصبحت مرضا، فالسرقة مرض، وداء خبيث، مرض وشهوة، فيسرقون بسبب أنه لا يوجد تربية، ولا حفظ للأولاد، لم ينشأ الولد منذ صغره على العفة، ولا على إعادة الأشياء إلى أصحابها، فإنه عندما سرق في الفصل الدراسي قلما من زميله، وعندما فتح حقيبته ما تابعه الأب، ولا تابعته الأم، وهكذا خرج السارق، خرج من البيوت، مسؤولية على الأولاد، والآباء والأبناء قبلهم، مسئولية على الجميع.