الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 4″

الدكرورى يكتب عن الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع الشرك بالله والقلوب الفارغة، فالقلب الأول يصاب بمرضين خطيرين هما أنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وربما اشتبه عليه المعروف بالمنكر، والمنكر بالمعروف وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلا والباطل حقا وهذا هو قلب المنافق وهو أشر قلوب الخلق، وكذلك تحكيمه هواه وانقياده للهوى، وأما القلب الثاني فهو قلب عرف الحق وقبله واحبه وآثره على غيره، فهو قلب قد أشرق فيه نور الإيمان وهو ينكر فتن الشهوات والشبهات ولا يقبلها البتة، وإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فقد تكون صورة العملين واحدة كالصلاة مثلا وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض والسبب أن الأول مقبل بقلبه على ربه والقلب الثاني هو سارح في هذه الدنيا بعيدا غافلا عن الله تعالى، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم.

” ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة” رواه مسلم، إذا إن العبرة بأعمال القلوب لا بأعمال الجوارح، ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة الملك ” الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وهنا قال الله عز وجل، أحسن عملا ولم يقل أكثر عملا، ولهذا كان الصالحون من هذه الأمة لا يهتمون بكثرة العمل، وعلى هذا الأصل فإن “عبودية القلب اعظم من عبودية الجوارح” وإن القلب هدف للشيطان، لما علم الشيطان أن مدار النجاة على القلب أجلب عليه بالوسواس والشهوات والشبهات وزيّن له الباطل ونصب له المصايد والحبائل حتى يفسد هذا القلب ويجعله بعيدا عن ربه ومولاه غارقا في بحر الفتن، وإن أمراض القلب خفية وإهمالها يؤدي إلى الهلاك مثل الرياء والعجب والكبر والشهرة وغيرها،

وهذه امراض خفية قد لا يعرفها صاحب هذا القلب وهذا قد يؤدي به إلى الهلاك، وهؤلاء قد اهتموا بالأعمال الظاهرة، وأهملوا أعمال القلوب ولم يراقبوا الله في خلواتهم، فعن سهل بن سعد الساعدي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من اهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة” وإن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطّلع عليها الناس، يقول الحسن البصري رحمه الله ” النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل” ويقول بلال بن سعد “لا تكن وليّا لله عز وجل، في العلانية وعدوا له في السر” فيجب علينا أن نهتم بتزكية قلوبنا وإصلاحها مع الاهتمام بإصلاح الظاهر، ومتى ما أصلح المسلم قلبه بالإخلاص والصدق والمحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

وبالأعمال الزاكية استقامت جوارحه وصلح ظاهره، وهو أمر في غاية الأهمية، فإصلاح القلوب يترتب عليه صحة الأعمال، وصحة السيرة، وصحة التصرفات والسلوكيات، وإن أعظم عون للعبد على إصلاح قلبه هو تكثير الشواهد النافعة في القلب، لتقوى صلة القلب بالله، ويزداد يقينه ويكمل إيمانه، وتعظم محبته بربه سبحانه وتعالى، ومن ذلك أن يقوم في قلب المسلم حقارة الدنيا وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضائها، ويتذكر قول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران ” كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ” وهكذا فيترحل قلبه عنها، ومشاهدته للدار الآخرة ودوامها، وأن أهلها لا يرتحلون منها ولا يظعنون عنها، بل هي دار القرار

ومحط الرحال ومنتهى السير للمؤمنين والفجار، ويقول الله عز وجل في سورة الملك ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا” ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله في هذه الآية “العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه” فقالوا يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال “إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة” وقال سعيد بن جبير رحمه الله “لا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة” وإن الله سبحانه وتعالى هو الغنى وهو القادر على كل شئ وهو الذى تكونت بقدرته الاشياء وتوالت برحمته الالآء وانشقت بحكمته الارض والسماء وكتب بمشيئته السعاده والهناء فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء.